مقالي المنشور في جريدة النهار العراقية/قراءة نصية للقطعة الشعرية (لا أشرق ابداً) للشاعر العراقي اسماعيل الرمضاني
نص القطعة الشعرية (لا اشرق ابدا)/الشاعر اسماعيل الرمضاني :
(توقَّعتُكَ في الوسامِ ..
المُتغافلِ عن حَماستهِ ..
تُبيحُ للزَّمنِ ..
استباحةَ أعذارِي ..
و تَتعدَّى مسافةَ ..
الغيظِ البَريءِ !!
تُداهِمُ اليَقينَ ..
بِرمزيَّةِ الاِنتظارِ ..
و تَلتقطُ السَّهوَ ..
من أيَّامي ..
لَملِم ما صدَّقتَني فيهِ ..
بِخدرِ مَن لا يَرى يَدَيهِ ..
كأنّي على هَيئةِ ليلٍ ..
لا أكادُ أراني !!
ما وَجدتُ فوزاً ..
أطولَ من قامَتي ..
و لايمكنُ لشوكةٍ ..
نبتَتْ أمامَ بابي ..
أنْ تدُلَني ..
على ظلِكَ !!
يُرهبُني اسمي ..
وفراغُ ملامِحي ..
كأنّي حِكْرٌ ..
على فَجيعَتي ..
وها هيَ أَصابِعي ..
تنكرُني !
وهذا رأسي ..
لمْ أملِكُهُ بَعد !!
لي أُسطورَتي ..
التي لا تَعْني غَيري ..
ربَّما يكونُ لها أتباعٌ ..
من فرطِ التَّجنّي ..
أو من لَذْعةِ ..
أَعذارِ الغيْابِ !
-------------------------------------------
تحليل القطعة الشعرية :
* لعل اول مايرد على الذهن بعد قراءة هذا النص من النظم الحديث..ان للحظة الغياب او الوداع احيانا اشراقة السَّمت لحظة دلوك الشمس كالصحو قبل الموت ، وان القطعة تساؤلات في ظل صراع بين اطلالة نور في رحم الامل وبين ظلمة زمن لايكترث بطيب النوايا وجوى المحبة او لعلها تداعيات ممن لايرى الاشياء ساكنة ، لايراها الا في جدل وصراع..
فلاشك ان القارئ يحسبها مناجاة للذات او لنظيرها الحبيب بأحساس يكاد يكون صوفيا شفيفا و بعبارات نابضة تستحث شحنتها من طاقة الوجد ، ومن وعي يوجزه اللب..
1- نلحظ في القطعة -اولا- مهارة الصنعة التي جعلت الجمل تضمر التساؤل بلا اداة..
فتبدأ بفعل ظني للمتكلم (توقعتك في الوسام المتغافل عن حماسته) كانه يوبخ احدا ما ولعلها ذاته او نظيره والذي لايبدو في ظن المتكلم الّا (متغافلا هشاً بريئا..)
امّا الجمل الفعلية الاربع التالية لهذا الظنّ والتي وردت بضمير المخاطب ، فأنها لا تدل على حضوره فاعلا مؤثرا بل وردت بدلالة حالا له :
(تبيحُ للزمن استباحة اعذاري… )
اي توقعتك ان تبيح للزمن استباحة اعذاري..
وكذلك الحال في التعابير الثلاث :
(و تَتعدَّى مسافةَ الغيظِ البَريءِ !!
تُداهِمُ اليَقينَ ..بِرمزيَّةِ الاِنتظارِ ..
و تَلتقطُ السَّهوَ ..من أيَّامي ..)
ونلحظ فيها روعة انزياحات اللفظ التي يحمل في طيّه دلالة الشجن :
للغيظ البرئ حدود / لرمزية الانتظار بأسٌ قد يقوى على اليقين/ وللسهو من ايامي حبيباتُ بَردٍ تُلتَقط..
وكأن هناك تساؤلا بغيظ الجوارح يناجي النفس :
أينك منها ؟
2- ينقلنا النص بعد ذلك الى تعبير اكثر حرارة وقوة ، لذا يرد بجملة الطلب :
(لَملِم ما صدَّقتَني فيهِ ..
بِخدرِ مَن لا يَرى يَدَيهِ ..
كأنّي على هَيئةِ ليلٍ ..
لا أكادُ أراني !!
ومن جماليات التعبير هنا هي صور المجاز الفنية للمناجاة التي تبدو في النص حوارا بين المخاطب والمتكلم او بين الانا ونظيرها :
* لملم ماصدَّقتني -انت- فيه كيفما تشاء (كحال مُخدّرٍ لا يرى يديه) ، وكأني -انا- (معتمٌ كالليل لا يكاد يُرى..)
امّا التعبير (لا اكاد أُرَاني) فانه يوحدهما كمتغير وتابع في دالةٍ واحدة لمناجاة الذات كمن يوحد قلب حبيبين او نظيرين..
3- في المقطع التالي تعبر الذات عن كنهها باسلوب النفي وفي صولة من فخر او بعد نظر :
(ما وَجدتُ فوزاً ..أطولَ من قامَتي ..
و لايمكنُ لشوكةٍ ..نبتَتْ أمامَ بابي ..
أنْ تدُلَني ..على ظلِكَ !!)
فاحسبها صورة لمن يفاخر بقامة عزه وبعد نظره او سعة افقه في بنات الدهر كمن يضرب مثلا فيقول :
(لايمكن لشوكة مهما طالت ان يستظل بها الورد في عين البصير..)
4- في المقطع الاخير من هذه المناجاة يشرق النص ببوح جميل للراوي المتكلم..
ياتي في بدايته الفعل (يرهبني) مضارعا لانها (الصيغة الزمنية التي نعبر فيها -عادة- عن الحقيقة) :
(يُرهبُني اسمي ..وفراغُ ملامِحي
كأني حكرٌ على فجيعتي)
ويوحي التعبير -هنا- بأمارة التعجب ، مع صورة رائعة في مجاز التشبيه الدال على تداعيات الذات.. فكأنها رهن على الفجيعة وكأن بنات الدهر قطب الرحى والذات طحين جعجعتها..
ويستمر بعدها هذا البوح يهمي بسيل من ينابيع الوجد المضطرم الساخن ، كان الشجن يعلو جِرْسه من الهمس الى النداء..
ياتي بشكل جمل اسمية تكمل اطار الصورة للفعل (يرهبني اسمي وفراغُ ملامحي)
لتسدل الستار على المناجاة والذات والآمال..
(وهذا رأسي ..لمْ أملِكُهُ بَعد !!
لي أُسطورَتي ..التي لا تَعْني غَيري ..
ربَّما يكونُ لها أتباعٌ ..
من فرطِ التَّجنّي ..
أو من لَذْعةِ ..
أَعذارِ الغيْابِ !!)
فرأسي لايحمل افكاري بعد ، وقد امست اساطير لا تعني حدا في هذا العالم الا من شذبه وبراه فرط التجني او لذعة الانتظار..
وهكذا يسدل المقطع الاخير الستار على المناجاة والذات والامل..
4- ايقاع القطعة
بُنيت القطعة في مسار ايقاعها على التقارب بين تفعيلتي البحرين المتقارب (فعولن) والمتدارك وخبب المتدارك (فاعلن/ فعلن) مع الاخذ بنظر الاعتبار تحويلاتهما العروضية المعروفة ومنها :
فعولُ - فعولْ/ فعْلن / فاعلْ/ فعُل/
و فاعلان بالتذييل
1- توقَّعتُكَ في الوسامِ ..
المُتغافلِ عن حَماسته
توقْ قعْ / تُكَ فلْ/ وساملْ
فعولن/ فعلن/ فعولن
متغا /فلِ عن/ حما / ستهي
فعلن / فعلن / فَعُل / فعلن
تبيْحُ/ لزْزَمني / استبا / حَةَ أعْ / ذاري
فعول/فاعلان / فعلن/ فعلن / فاعل
2- لَملِم ما صدَّقتَني فيهِ ..
لمْلمْ/ ما صدْ/دقْتني/ فيهِي
فعْلن/ فعْلن/ فاعلن/فعْلن
3- ما وَجدتُ فوزاً أطولَ من قامَتي
ما وجد/ تفوزن/ أطْولَ من/ قامتي
فاعلن/ فعولن/ فاعلان/ فاعلن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق