اجمل الابيات من مطولة النابغة الجعدي في مدح الرسول الاكرم/ وشذرات بيانية في القصيدة وسيرة الشاعر
اجمل الابيات من مطولة النابغة الجعدي في مدح الرسول الاكرم محمد (ص) :
(خَلِيلَيَّ عُوجا ساعَةً وَتَهَجَّرا..
ولُوما عَلى ما أَحدَثَ الدَهرُ أَو ذَرا
ولا تَجزَعا إِنَّ الحَيَاةَ ذَمِيمَةٌ
فخِفّا لِروعَاتِ الحَوَادِثِ أَو قِرا
وإِن جاءَ أَمرٌ لا تُطِيقانِ دَفعَهُ
فلا تَجزعَا مِمّا قَضى اللَهُ واِصبِرا
أَلَم تَرَيا أَنَّ المَلاَمَةَ نَفعُها
قَلِيلٌ إِذا ما الشيءُ وَلّى وَأَدبَرا
تَهِيجُ البُكاءَ وَالنَدامَةَ ثمَّ لا
تُغيِّرُ شَيئاً غَيرَ ما كانَ قُدِّرا
لَوى اللَهُ عِلمَ الغَيبِ عَمَّن سِواءَهُ
وَيَعلَمُ مِنهُ ما مَضى وتأَخَّرا
رَكِبتُ الأُمُورَ صَعبَها وَذَلُولَها
وَقاسَيتُ أيَّاماً تُشِيبُ الحَزَوَّرا
أَتَيتُ رَسُولَ اللَهِ إِذ جاءَ بالهُدى
وَيَتلُو كِتاباً كالمجرَّةِ نَيِّرا
وَجاهَدتُ حَتّى ما أُحِسُّ وَمَن مَعِي
سُهَيلاً إِذا ما لاَحَ ثُمَّ تَغَوَّرا..
أُقِيمُ عَلى التَقوى وَأَرضى بِفِعِلها
وَكُنتُ مِنَ النارِ المَخُوفَةِ أَوجرا
وطوَّفتُ في الرُهبانِ أَعبُرُ دِينَهُم
وسَيَّرتُ في الأَحبارِ مَا لَم تُسَيِّرا
فأَصبَحَ قَلبِي قَد صَحا غَيرَ أَنَّهُ
وكُلُّ اِمرِىءٍ لاَقٍ مِنَ الدَهرِ قِنطِرا
خلِيلَيَّ قَد لاَقَيتُ ما لَم تُلاَقِيا
وسَيَّرتُ في الأَحياءِ مَا لَم تُسِيِّرا
تَذَكَّرت شيئاً قَد مَضى لِسَبِيِلِهِ
ومِن حاجَةِ المَحزُونِ أَن يَتَذَكَّرا
-----------------------------------------
بلَغنَا السّماء مَجدُنا وجدودُنا
وَإِنّا لَنرجُو فَوقَ ذَلِكَ مَظهَرا
وتُنكُر يَومَ الرَوعِ أَلوانُ خيلِنا
مِن الطَعنِ حَتّى تَحسِبَ الجونَ أشقَرا
وأنّا لقومٌ لا نَعَوِّدُ خَيلَنا
إِذا ما التقينا أَن تَحيدَ وَتَنفِرا
وما كانَ مَعروفاً لَنا أَن نَرُدَّها
صِحاحاً وَلا مِستَنكراً أَن تُعقَّرا
-----------------------------------
ولا خَيرَ فِي جَهلٍ إِذَا لَم يَكُن لَهُ
حلِيمٌ إِذَا ما أَورَدَ الأَمرَ أَصدَرا
ولا خيرَ فِي حِلمٍ إِذَا لَم تَكُن لَهُ
بَوَادِرُ تَحمي صَفوَهُ أَن يُكَدَّرا
ففِي الحِلمِ خَيرٌ مِن أُمورٍ كَثيرةٍ
وفي الجَهلِ أَحياناً إِذا ما تَعَذَّرا
كذاكَ لعمرِي الدَهرُ يَومانِ فاعرِفوا
شُرورٌ وَخيرٌ لا بَلِ الشَرُّ أَكثَرا)
--------------------------------------
# شذرات في القصيدة والسيرة :
* القصيدة الكاملة تقع في 85 بيتا شعريا من البحر الطويل ، اخترنا منها هذه الابيات اعلاه..
* نلحظ فيها اولا (روعة الحكم) في العديد من ابياتها التي تذكرنا بحكم الشاعر الجاهلي (زهير بن ابي سلمى) صاحب المعلقة الثالثة الذي يعدّ في الطبقة الاولى من فحول الشعراء والذي عرف عنه الورع والتوحيد والايمان بالحساب مع انه لم يدرك بعثة النبي (ص)..
كما نلحظ في قصيدة الجعدي تغير الجو النفسي للنص من حال الى حال ، اذ نشعر بلون الحزن عند ذكر متاعب الحياة ، والطمأنينة والهدوء عند مدحه للنبي (ص) ، وعظم المراس عند مواضع الفخر المتصل بالاجداد اذ نقرأ فيه جزالة اللفظ المعبر عن الفخر..
وهناك صور بلاغية في جميل الاستعارة والتشبيه من مثل (جاء بالهدى ، بلغنا السماء ) ، (كالمجرة نيّرا)
ونلحظ طباق الايجاب من مثل
( اذا ما اورد الامر اصدرا)
(ولا خيرَ فِي حِلمٍ إِذَا لَم تَكُن لَهُ
بَوَادِرُ تَحمي صَفوَهُ أَن يُكَدَّرا)
وهناك روعة مواضع الكناية عن شدة الحرب وعن البأس وعن رفعة المقام..
(ننكر ايام الروع الوان خيلنا… )
(جاهدت حتى لا أحس ومن معي سهيلا… )
* وقد ذُكر ان النبي الاكرم قال للشاعر الجعدي :
(اجدت لا فض الله فاك)
* ورد في بعض النصوص :
أ- خَلِيلَيَّ (غُضّا) ساعَةً وَتَهَجَّرا
ب- سْهيلا اذا ما لاحَ ثُمَّ (تَحورا)
ج- تَذَكَّرتُ (والذِّكرى تَهِيجُ لِذي الهَوى)
د- بَلَغنَا السّماء (مَجدُنا وسناؤنا)
ه- بَلَغْنَا السّما (مجداً وجوداً وسؤدداً)
وفي (د) تكون (مجدُنا) مرفوعة كونها بدل اشتمال عن ضمير الفاعل -نا- المتصل بالفعل الماضي المبني على السكون -بلغْنا-
لكن في (ه) تكون (مجداً) منصوبة كونها في موضع حال..
* من سيرة الشاعر :
النابغة الجعدي هو ابو ليلى عبد الله بن قيس من قبيلة هوازن ومن الشعراء المعمرين اذ عاش بحدود 120 سنة وقيل اكثر من ذلك..
ولد في العصر الجاهلي (عصر المنذر بن محرق) في اخر سني حكمه بالقرن الخامس الميلادي وشهد عصر النعمان بن المنذر الذي وليّ قبل بعثة النبي ب (24) سنة..
ثم ادرك الاسلام ووفد الى النبي مع الانصار من هوازن وانشد قصيدته الرائية المشهورة (اتيت رسول الله اذ جاء بالهدى) ومطلعها ( خليلي عوجا ساعة وتهجرا)..كما وردت في بعض النصوص (غضا ساعةً وتهجرا)
وسمي بالنابغة لانه اقام ثلاثين سنة لايقول شعر ثم نبغ فيه ، وهو اقدم من الشاعر النابغة الذبياني الذي عاصر (النعمان بن المنذر) ومات قبل الجعدي ولم يدرك الاسلام كما ورد في (سير اعلام النبلاء)..
اما النابغة الجعدي فقد شهد عهد رسول الله والخلفاء الراشدين ، كما شهد معركة صفين ووقف الى جانب الامام علي ومدحه في شعره ومنها هذا المطلع :
قد عَلِمَ المِصرانِ والعِراقُ
أَنَّ عَليّاً فّحلُها العِتاقُ
أَبيضُ جَحجاحٌ لهُ رِواقُ
وأُمُّهُ غَالى بها الصَدَاقُ
ولما ولي (معاوية) الخلافة أمر (مروان بن الحكم) ان ينكل بالشاعر الجعدي واهله ويأخذ امواله فهدده الجعدي بهجاء بني امية قاطبة ، فرد معاوية اليه ما اخذه منه وقيل انه سيره بعد ذلك الى اصفهان وتوفي هناك في سنة 50 للهجرة (670 ميلادي) .
كما ذُكر في بعض المصادر انه توفي في السنة التي بويع فيها (عبد الله ابن الزبير ) خليفة بعد وفاة معاوية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق