من روائع الفن السابع في الزمن الجميل

من روائع الفن السابع في الزمن الجميل//
(برامج وافلام السينما العالمية الهادفة)
يميز عقد السبعينيات  في العراق ، انه العقد الذي توجت فيه انجازات الثقافة والعلوم التي تنامت ونضجت في القرن العشرين منذ  اربعينيات القرن الماضي في مجالات العلوم والاداب والفنون الجميلة..
وفي مجال الفن السينمائي كانت تقدم في العراق برامج فنية ، وتعرض افلام عالمية رصينة نالت ارفع الجوائز والاوسمة الفنية كجائزة الاوسكار العالمية..
لعل البعض منّا يتذكر برنامجي عدسة الفن ، وحوار في السينما الذي عرض افلام عالمية رصينة تدخل في رصيد تعزيز الثقافة والتربية كما تفتح افقا انسانيا للتواصل الحضاري ..
ولعل هناك من يتذكر-في المجلات والجرائد- مقالات رضا الطيار في عروض الشاشة البيضاء ومقالات الناقد الموسيقي عادل الهاشمي والتشكيلي شاكر حسن آل سعيد مع مقالات متنوعة في الادب والترجمة وعرض نتاجات شعرية وقصصية عديدة تفوق قدرة المطابع مما جعل الدولة تتبنى انشاء دار الحرية للطباعة وهي اكبر دار نشر في بغداد  كما نشطت حركة المعارض الفنية التي  شهدت الوان الابداع العراقي في مختلف المدارس والاتجاهات الادبية والفنية والفكرية..
وكانت المجلات الرصينة تعدّ احد مصادر الدراسات والبحوث الاكاديمية ، منها على سبيل المثال مجلة الثقافة والاقلام والاديب المعاصر وآفاق والطليعة الادبية والثقافة الاجنبية والفكر المعاصر وغيرها.. 
وفي ضوء موضوعنا اعلاه ساعرض من باب الذكريات في ذلك الزمن الخصب :
مقدمة برنامج عدسة الفن مع مقطعين لفيلم (عطر امراة ) ، وفيلم (انهم يقتلون الجياد  اليس كذلك) ، والماخوذ من رواية تحمل نفس العنوان للروائي هوراس ماكوي..
وهما من اروع الافلام العالمية التي تظل حية في الذاكرة ، لانها ترصد بشكل عميق  ادق مشكلات الحياة والانسان وشجونهما وصراع ارادات البشر بشكل ممتع وشيق غير ممل يشدُّ مشاعر المشاهد حتى نهاية الفيلم  ، وهي افلام خالية من تقنيات الاكشن وتكشف بجلاء تلك التلقائية الرائعة للفنان وامكانياته الفنية العالية في الاداء التي تتجسد في (ملكة الخيال/الصدق الفني/تركيز الانتباه والاسترخاء/الذاكرة الانفعالية..) كما اشار لذلك الناقد الروسي الكبير ستانسلافسكي في كتابه المشهور (اعداد الممثل) ..
وقد كان اداء الممثلين -بحق- تلقائيا رائعا ، ولهذا نال ال باتشينو جائزة الاوسكار عن صدق ادائه وحسن تجسيده لدوره في فيلم (عطر امرأة) ، كما نالت جين فوندا جائزة نقاد نيويورك عن دورها في فيلم (انهم يقتلون الجياد اليس كذلك)  ونال جيم يونج جائزة الاوسكار لاحسن ممثل ثانوي في الفيلم ذاته..

*1-  فيلم عطر امرأة : بطولة أل باتشينو/كريس اودونيل..
ثيمة الفيلم هي اظهار القيم الانسانية وتأصيلها  ، و (فكرة الضمير والاخلاق والحرية) في حياة الانسان كما يشير النقاد..
اذ تؤكد احداث الفيلم ان الدفاع عن القيم الانسانية هو اسمى من الحروب وفكرة الهروب الى الموت..
وعلى الرغم من ان الفيلم ليس حربيا لكنه يعلن بشكل غير مباشر ادانة ضد الحروب وآثارها الاخلاقية في مستقبل اجيال قادمة ، يكشف عن ذلك الممثل ال باتشينو الذي يؤدي دور كولونيل متقاعد فقد بصره في الحرب وعلى الرغم من انه يبدو (شخصية عصابية مسحوقة بهذه العاهة ) لكنه كان مقبلا على الحياة حتى انه يعرف اي عطر تضعه النساء من الوهلة الاولى ، فقد كان يحب الحياة ويمازح اطفال خادمة المنزل ولو ان الوحدة والعيش في الظلام  يقسوان عليه ويدفعانه لطلب الموت ، لذا نراه يفلسف الحياة بكلمات بسيطة مليئة بخبرته بالحياة والحرب والوحدة..
كما يجسد الممثل كريس،اودونيل طالب الاعدادية البسيط المثابر والمرشح للدراسة كطالب متوفق في جامعة هارفرد  والذي يحمل ضميرا نقيا وحرّا شاءت الظروف ان يعمل مرافقا للكولونيل في العطلة الصيفية بواسطة خادمة المنزل التي تذهب في اجازة.
وكان الطالب يحتاج من يقف الى جانبه ضد التكتل القاسي الذي يقوده مدير المدرسة واولياء الطلبة الاغنياء ، فينبري الكولونيل  للوقوف الى جانبه بدلا عن والده المتوفي ويلقي في جلسة التحقيق العلنية اعظم دفاع تجلى في خطبة تاريخية صفق لها الجميع ، وهي تكشف آفاقا نيّرة في الحياة عن معنى ان يكون الانسان قائدا فاضلا لنفسه ولرعيته يحمل ثوابت انسانية ابلغ من قيمة العلم المجرد..
وكان مخرج الفيلم يعتمد فنيا على استخدام اللقطات القصيرة  التي تركز على المواقف الدرامية ولحظات التجلي والانفعال النفسي والفكري لممثلي الفيلم بما يكشف مضمون الفيلم ورسالته..

*2-  فيلم انهم يقتلون الجياد ، اليس كذلك ؟!
(They shoot horses, Do 'nt they ?)
وقد ترجمت فيما بعد (رواية الكاتب هوراس ماكوي) التي بُنيت عليه احداث هذا الفيلم العالمي التي ادت فيه الدور الاساسي الممثلة العالمية (جين فوندا) ، سارازين ، وجيم يونج ، واخرجه للسينما سيدني بولاك..
القصة تعتمد في واقعيتها على احداث الازمة الاقتصادية التي اجتاحت الولايات المتحدة في عام 1932 م ، ويكشف الفيلم بامتياز بؤس الراسمالية الامريكية وانهيار المنظومة الاخلاقية الانسانية في عهد الازمات الاقتصادية.. حيث يطيب للاغنياء -كي يدفعوا مالا للفقراء- ان يتفننوا في عروضهم لامتاع انفسهم واذلال صاحب الحاجة..
ويجسد الفيلم هذه الظاهرة عبر الاعلان عن  مسابقة رقص وحشية تسمى (الدربي) وهي اشبه بسباق الجري للخيول (لمدة 1500) ساعة متواصلة لينال الفائزان (جائزة 1500) دولار ، على ان يجري ذلك بشروط جنونية غاية في القسوة تهدف الى مسخ الانسان واذلاله ، بما يكشف  قذارة الانظمة الراسمالية في الازمات ،  وكيف تكون وسائل الكسب المالي دنيئة رخيصة تحط من قدر الانسان ورسالته في الحياة حيث لارحمة ، لا الفة ولاحياة كريمة يرجوها ذوي الدخل المحدود والفقراء من عامة الناس ..
فمن شروط المسابقة في الفيلم :
- ان لايحق للمتنافسين الخروح منها ، وعليهم ان يقاوموا التعب والاجهاد ، ومن يسقط مغشيا عليه يفشل في السباق
- لا تكون هنالك استراحة الاّ عشر دقائق كل ساعتين
- ويكون النوم في العنابر اسوة بالخيول وتظهر اللقطات التي ارادها المخرج ببراعة ان تكون مثيرة ودالة على سخرية وجنون المراهنين حيث يقوم المشجعون ومدير السباق (جيم يونج) بالصراخ الهستيري وكانهم يصبون غضبهم على خيول تدخل السباق من اجل المراهنة..
كما يستعرض المخرج مأسي الناس من خلال عرض احوال وحوارات المشتركين في السباق والظروف التي دفعتهم للتنافس بما يدفع المشاهد للتعاطف والتفكر بحزن واع في ذلك المصير المجهول في بلاد من ضجيج وازمات..
حيث  نجد في السباق امرأة حامل وممثلة تبحث عن شهرة ورجل مريض بالقلب يموت اثناء السباق.. ويحصل ان يتعارف بطلا الفيلم  (ميشيل سارازين) و (جين فوندا) التي ادت دور شابة قروية فقيرة جاءت تبحث عن فرصة للعمل ،  ليشكلان ثنائيا منسجما لنيل جائزة السباق ، فاشتركا في الرقص لمدة تصل تقريبا الى 900 ساعة ولم يبق في السباق غير عشرين متسابقا حتى الغيت المسابقة بسبب اطلاق رصاصة طائشة قتلت احد المتسابقين ، وقرر منظمو السباق اعطاء كل متسابق مستمر في الصالة 50 دولار تكريما لجهودهم في مسابقة الخيل البشري!!
عندها ضاعت احلام الشابة (گلوريا) فطلبت من صديقها (روبرت) ان يطلق عليها  الرصاص من مسدس اخرجته من جنطتها .. فامتنع بشدة اول الامر ، لكنها الحت عليه كثيرا ، فتذكر ان جدّه اطلق الرصاص على افضل حصان للعائلة بعد ان كسرت ساقه ، فاطلق رصاصة -حينها- على رأسها لتدفن معها حلما جميلا ان تحيا بكرامة ويُسر..
وحين اقتيد روبرت للمحكمة ظل صامتا الا من اجابة واحدة هي : انها طلبت منه ذلك. . 
وحين الحّ المحقق بالسؤال ، اجاب بهدوء :
(انهم يقتلون الجياد ، اليس كذلك ؟! )

عن الكاتب "فلان"

وصف موجز عن الكاتب هنا، كما يمكنكم متابعتي عبر المواقع الإجتماعية أدناه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Translate

إبدء الكتابة للبحث ثم أنقر enter