الشاعر الجواهري والحكام ونهضة الشباب
هذه ابيات اخترتها من خمس قصائد لشاعر العرب الاكبر محمد الجواهري-رحمه الله- كأنها من نظم هذه الايام واحوالها..
فما اشبه اليوم بالبارحة..
ولاشك ان نهضة الشباب اليوم هي انتفاضة حق ضد الظلم والفساد ولا يعكّر صفوها بعض المندسين والمغرضين..
ملاحظة :
(في الابيات المذكورة هناك تقديم وتأخير بما يلائم اليوم تظاهرات الشباب في تشرين/2019)
اولا/في نهضة الشباب :
ابيات من قصيدة (فتيان الحمى) :
افتيانَ الحمى سيرفُّ ظلُّ
على جمراتِ هاجرةٍ مَديدُ
سَيُبدلُ منْ صدى نَغَمٍ شقيٍّ
بِأوتارِ المُنى نَغَمٌ سعيدُ
فإنْ تَكُ أَطْبَقَتْ جُدُرُ الليالي
فسوفَ يُشَقُّ من فجرٍ عمودُ
وإنْ تَزِدِ الميوعةُ من بنيها
فأمُّ الضُّرِ والبلوى ولودُ
سينهضُ من صميمِ اليأسِ جيلٌ
عنيدُ البأْسِ جبَّارٌ عنيدُ
يُقايضُ ما يكونُ بما يُرجّى
ويَعطِفُ ما يُرادُ لِما يُريدُ
-----------------------------------
ثانيا : في وصف ظلم فساد الحكم والحكام :
ابيات مختارة ورائعة من قصيدتي (عقابيل داء) و(يادجلة الخير)
1- عقابيل داء
أفي كلِّ يومٍ في العراقِ مؤمَّرٌ
غريبٌ به لا الأمُّ منه ولا الأب
ولم يُرَ ذا بَطْشٍ شَديدٍ وغِلظَةٍ
على بَلَدٍ إلا البعيدُ المُجنَّب
أكُلُّ بَغيضٍ يُثقِل الأرضَ ظِلُّهُ
وتأباهُ يُجبى للعراقِ ويجْلَب
فيا أيُّها التاريخُ فارفُضْ مَهازِلاً
سَتْرفُضها أقلامُنا حين تُكتَب
تداولَ هذا الحُكْمَ ناسٌ لوَ انَّهم
أرادُوهُ طيفاً في منامٍ لخُيّبوا
ودعْ عنكَ تفصيلاً لشَتَّى وسائلٍ
بها مُلِّكُوا هذي الرقابَ وقرِّبوا
فأيسَرُها أنْ قد أُطِيلَ امتهانُهم
إلى أنْ أدَرُّوا ضَرعَها وتحَلَّبوا
هَبوا أنَّ أقواماً أماتَ نفوسَهُم
وألهاهُمُ غُنْمٌ شهيٌّ ومكسَبُ
قصورٌ وأريافٌ يَلَذُّونَ ظِلَّها
وجاهٌ وأموالٌ ومَوطيً ومَركبُ
يخافونَ أنْ يَشْقوا بها فيؤاخَذو
إذا كشفوا عمَّا يَروَن وأعربوا
فما بالُ محروبينَ لم يحلُ مَطعمٌ
لهُم ، فيُلهيهمْ ، ولم يصفُ مَشْرَبُ
………………….
2- يادجلة الخير :
يادجلة الخير أدري بالذي طفحت
به مجاريكِ من فوقٍ الى دونِ
ادري بانكِ من ألفٍ مضت هدراً
للآن تهزينَ من حكمِ السلاطينِ
الضارعين لأقْدارٍ تحِلُّ بهم
كما تلوَّى ببطن الحُوتِ ذُو النون
يرون سُودَ الرزايا في حقيقتها
ويفزعون إلى حَدْسٍ وتخمين
والخائفينَ اجتداعَ الفقرِ ما لَهُم
والمُفضلِينَ عليه جَدْعَ عِرنين
واللائِذينَ بدعوى الصبر مَجْبَنةً
مُستَعصِمينَ بحبلٍ منه مَوهون
والصبرُ ما انفكَّ مَرداةً لمُحترِبٍ
ومستميتٍ، ومنجاةً لمِسكين
------------------------------------
ثالثا : ابيات من قصيدة ابي العلاء المعري
يذكرنا الشاعر المرحوم الجواهري بهذه الابيات المختارة ان لانميل لمنطق المثل الشعبي الدارج : (يتعب ابو چزمة ويقبض ابو كلاش)
فلانقبل منطقا يرتب الناس بين الحرمان والتخمة فنرضى بذل الطغاة والفاسدين :
ورُبَّ راضٍ من الحرمان قِسَمته
فبرَّر الصبرَ والحرمانَ والسغبا
أرضى ، وإنْ لم يشأ ، أطماحَ طاغيةٍ
وحالَ دونَ سوادِ الشعب أن يثبا
آمنت بالله والنورِ الذي رسمَتْ
به الشرائعُ غُرّاً منهجاً لَحِبا
وقد حَمِدتُ شفيعاً لي على رَشَدي
أُمّاً وجدتُ على الإسلامِ لي وأبا
لكنَّ بي جنَفَاً عنِ وعي فلسفةٍ
تقضي بأنَّ البرايا صُنِّفتْ رُتَبا
وأنَّ مِن حِكمةٍ أنْ يجتني الرُّطَبا
فردٌ بجَهد ألوفٍ تعلكُ الكَرَبا
------------------------------------------
4- ابيات مختارة هي الاجمل من قصيدته المشهورة (تنويمة الجياع) :
وابيات القصيدة تستنهض همم الشعب المظلوم باسلوب بلاغي يسخر من نوم الجياع والرضوخ لواقع الظلم ..
وكأن قسوة الذم للنيام فيها معادلا موضوعيا لنهضة فجر كريم :
نامي جياعَ الشَّعبِ نامي
حَرَسَتْكِ آلِهة ُالطَّعامِ
نامي فإنْ لم تشبَعِي
مِنْ يَقْظةٍ فمِنَ المنامِ
نامي على زُبَدِ الوعود
يُدَافُ في عَسَل ِ الكلامِ
نامي تَزُرْكِ عرائسُ الأحلامِ
في جُنْحِ الظلامِ
تَتَنَوَّري قُرْصَ الرغيفِ
كَدَوْرةِ البدرِ التمامِ
وَتَرَيْ زرائِبَكِ الفِساحَ
مُبَلَّطَاتٍ بالرُّخَامِ
نامي تَصِحّي! نِعْمَ نَوْمُ
المرءِ في الكُرَبِ الجِسَامِ
نامي على حُمَةِ القَنَا
نامي على حَدِّ الحُسَام
نامي إلى يَوْمِ النشورِ
ويومَ يُؤْذََنُ بالقِيَامِ
نامي على المستنقعاتِ
تَمُوجُ باللُّجَج ِ الطَّوامِي
نامي على نَغَمِ البَعُوضِ
كأنَّهُ سَجْعُ الحَمَامِ
نامي فقد أضفى "العَرَاءُ
عليكِ أثوابَ الغرامِ
وﭐستفرِشِي صُمَّ الحَصَى
وَتَلَحَّفي ظُلَلَ الغَمَامِ
نامي فقد أنهى " مُجِيعُ
الشَّعْبِ " أيَّامَ الصِّيَامِ
نامي فقد غنَّى " إلهُ
الحَرْبِ" ألْحَانَ السَّلامِ
نامي تَطُفْ حُورُ الجِنَانِ
عليكِ منها بالمُدَامِ
نامي على البَرَصِ المُبَيَّضِ
من سوادِكِ والجُذَامِ
نامي فكَفُّ اللهِ تغسلُ
عنكِ أدرانَ السَّقَامِ
نامي فحِرْزُ المؤمنينَ
يَذُبُّ عنكِ على الدَّوَامِ
نامي فما الدُّنيا سوى "جس
رٍ!" على نَكَدٍ مُقَامِ
نامي ولا تتجادلي
القولُ ما قالتْ "حَذَامِ"
نامي على المجدِ القديمِ
وفوقَ كومٍ من عِظَامِ
تيهي بأشباهِ العصامِيّينَ!
منكِ على "عِصَامِ"
الرافعينَ الهَامَ من جُثَثٍ
فََرَشْتِ لَهُمْ وهَامِ
والواحمينَ ومن دمائِكِ
يرتوي شَرَهُ الوِحَامِ
نامي فنومُكِ خَيْرُ ما
حَمَلَ المُؤَرِّخُ من وِسَامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي
بُرِّئْتِ من عَيْبٍ وذَامِ
نامي فإنَّ الوحدةَ العصماءَ
تطلُبُ أنْ تنامي
نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ نامي
النومُ مِن نِعَمِ السلام
تتوحَّدُ الأحزابُ فيه
ويُتَّقَى خَطَرُ الصِدامِ
تَهْدَا الجموعُ بهِ وتَستغني
الصُّفوفُ عَنِ ﭐنقسامِ
إنَّ الحماقةَ أنْ تَشُقِّي
بالنُهوضِ عصا الوئامِ
والطَّيْشُ أن لا تَلْجَئِي
مِن حاكِمِيكِ إلى احتكامِ
نامي فإنَّ صلاحَ أمرٍ
فاسدٍ في أن تنامي
نامي وإلا فالصُّفوفُ
تَؤُول منكِ إلى ﭐنقِسامِ
نامي فنومُكِ فِتْنَة
ٌإيقاظُها شرُّ الأثامِ
هل غيرُ أنْ تَتَيَقَّظِي
فتُعَاوِدِي كَرَّ الخِصامِ
نامي على جَوْرٍ كما
حُمِلَ الرَّضِيعُ على الفِطَامِ
وَقَعي على البلوى كما
وَقَعَ "الحُسامُ!" على الحُسامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي
النومُ أَرْعَى للذِّمَامِ
والنومُ أَدْعَى للنُزُولِ
على السَّكِينَةِ والنِّظَامِ
نامي فإنَّكِ في الشَّدائدِ
تَخْلُصِينَ من الزِّحَامِ
نامي جياعَ الشَّعْبِ لا
تُعْنَيْ بِسَقْطٍ من كلامي
نامي فما كانَ القَصِيدُ
سوى خُرَيْزٍ في نظامِ
نامي فقد حُبَّ العَمَاءُ
عَنِ المساوىء والتَّعَامِي
نامي فبئسَ مَطَامِعُ الواعِي
نَ! من سَيْفٍ كَهَامِ
نامي: إليكِ تحيّتِي
وعليكِ، نائمةً سلامي
ملاحظة :
القطعة من مجزوء البحر الكامل عديد الجوزات والتدوير (متفاعلن متفاعلان)..
وابقيت بعض الاشطر بدون تدوير ليسهل المعنى للقارئ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق