بين الدين والفنون الجميلة تقاطع مطلق أم نسبي/ وجهة نظر
* يعدّ الفن -بكل اشكاله- احد منجزات الحضارة الانسانية وقسما خصبا فيها وفي اسفارها التاريخية..
وان النظرة المطلقة بالتالي في باب الحليّة والتحريم لهذا الفرع الفني او ذاك لن تكون منطقية وغير ممكنة من وجهة نظر المفكرين وعلماء الاجتماع بل من طروحات بعض رجال الدين انفسهم..
لان اشكال الفن بصورة عامة هي جزء لايتجزء من نشاط انساني عام لازم تاريخ الحضارات الانسانية منذ نشأة المجتمعات البدائية كما نقرأها في أثار وطروحات علم الانسان او (الانثروبولوجيا الاجتماعية)..
كما ان التعبير بوسائل الفن جزء من فطرة الانسان الباحثة عن الجمال والانسجام في التعبير عن كينونته ومشاعره التي يتفوق بها على سائر مخلوقات الله سبحانه وتعالى..
والقضية اذن في شرعيتها الدينية تتصل (بالغاية لا بالوسيلة المجردة) ، وهذا الحال سيشمل بالنتيجة (جميع نشاطات الانسان العلمية والثقافية والتقنية)..
فالعلوم الفيزيائية والكيمياوية والتكنولوجيا الصناعية -مثلا- التي تطور ابحاث تركيب المادة الذري والعناصر المشعة ثم تُنشأ المختبرات العلمية لغرض تصنيع اسلحة الدمار الشامل (النووية والكيمياوية) فأنها -في ضوء هذه الغاية- ستكون محرمة بلاشك بل هي اشد حرمة من تصنيع الخمور ودور البغاء..
على حين ان الغاية التي تؤطر تطوير البحوث والتقنيات باتجاه الصناعة السلمية للطاقة او للعلاج الطبي الكيمياوي والنووي بالنظائر المشعة ، ستؤمن لكوادر هذه البحوث والصناعة شرف الرضا والتقدير والكرامة من الله تعالى والانسان..
* وفي ضوء ماتقدم ذكره فاننا لا يمكن ان ننظر للفن بعديد فروعه نظرة مسبقة قاتمة تغض النظر عن الغاية الاساسية وشكل الوسيلة الملائم للعرف الانساني السليم ، فلا يمكن ان نحول الانسان ذلك الكائن المجهول معقد التركيب النفسي والذي يتميز عقله واحساسه عن المخلوقات الى كائن مجرد من فصيلة اللبائن لايتصرف الا بفطرة بيولوجية النوع التي يهذبها الشرع او بوصفه آلة مقننة بلا حسّ..
ناهيك ان فولكلور الشعوب التعبيري وتراثها الشعبي واساطيرها جزء حيوي من ثقافتها الحضارية ومزاجها العام والخاص..
* وعود على بدء فان الفن الرفيع الهادف في الموسيقى ، ترديد الصوت او الغناء ، الفنون التشكيلية ، المسرحية والسينمائية كأي نشاط انساني اذا ما كان الغاية منه تتوائم مع الذوق الانساني الرفيع الباحث عن الجمال والذي لايخدش حياء وكرامة الانسان كما لا يتقاطع بوسائله الشكلية والتعبيرية مع اعراف المجتمع وتقاليده السليمة ، يكون اطلاق التحريم فيه تعسفا جليّا سينخر بالتالي في حرية الانسان للتعبير عن مكنوناته وتطلّعه ورغباته المشروعة في ضوء العرف الانساني العام حتى وُثِّق دوليا في عصرنا الحديث بلائحة حقوق الانسان الاممية..
* كما لايصح ان نكيل بمكيالين بحيث يكون ترديد الصوت والمقامات الموسيقية في الابتهال الديني والشعائر الاسلامية حلالا ويكون في الاداء التعبيري الرفيع عن خلجات الانسان ومشاعره حراما في اغان رفيعة جميلة غير مثبطة للذوق والحياء..
وهل ننسى ان كل البرامج والافلام الدينية لها مقدمات موسيقية وموسيقى تصويرية فهل تصح حلالا ؟ ، لكنها تحرم في اي اداءٍ تعبيري انساني آخر يصور شجون الانسان ومشاعره بشكل واسلوب يسمو بالذائقة الانسانية ويحرك خلجاتها الصامتة او يناغي بوحها وتعبيرها في الادب والشعر..
ومن المفارقة ان نسمع من احد رجال الدين ان حوريات الجنة يوم القيامة يرقصن للذين كرّمهم الله برياضها باساليب فنية لاتقدر عليها امهر الراقصات الشرقيات والغربيات في الدنيا ؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق