من روائع المرثيات في الشعر العربي
المرثيات باب واسع في ديوان الشعر العربي قديما وحديثا ، والجميل فيه انه باب غنيّ (بأعظم الحِكم والعِبر في الحياة)..
اخترت -هنا- ابياتا ، من روائع سبع قصائد.. فالمرثيات واسعة الطيف لايمكن الاحاطة بها في منشور قصير بل لعلها تستدعي مع تحليلها وقراءتها كتابا عديد الاجزاء..
1- من معلقة الشاعر الجاهلي (طرفة بن العبد) التي تبدأ بهذا البيت :
(لخولةَ اطلالٌ ببُرقةِ ثهْمدِ..
تلوحُ كباقي الوشمِ في ظاهر اليدِ)
ومن ابيات المعلقة التي تحمل الق الحكمة في الموت وتشف عن رثاء حال الانسان في الدنيا :
لعَمْرُكَ إِنَّ المَوتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَى
لكَالطِّوَلِ المُرْخَى وثِنْيَاهُ بِاليَدِ
أَرَى قَبْرَ نَحَّامٍ بَخِيْلٍ بِمَالِهِ
كَقَبْرِ غَوِيٍّ فِي البَطَالَةِ مُفْسِدِ
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ ويَصْطَفِي
عَقِيْلَةَ مَالِ الفَاحِشِ المُتَشَدِّدِ
أَرَى العَيْشَ كَنْزاً نَاقِصاً كُلَّ لَيْلَةٍ
وَمَا تَنْقُصِ الأيَّامُ وَالدَّهْرُ يَنْفَدِ
فمَا لِي أَرَانِي وَابْنَ عَمِّي مَالِكاً
مَتَى أَدْنُ مِنْهُ يَنْأَ عَنِّي ويَبْعُدِ
ستُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً
ويَأْتِيْكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
ويَأْتِيْكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ
بتَاتاً وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ
*********************************
2- مرثية الشاعر مالك بن الريب ، ولعلها اشهر مرثية -عند العرب- رثى فيها المرء نفسه قبيل وفاته ، ولكثر ما فتن الناس والشعراء بها فقد اضافوا لها ابياتا انسجمت مع اصل القصيدة التي تبدأ بالبيت التالي :
(الاّ ليتَ شعري هل ابيتنَ ليلةً
بوادي الغضى أُزجي القلاصَ النواجيا)
وادي الغضى : هو نطاق سكن الشاعر وبيته
القلاص النواجيا : هي النوق الفتية سريعة الحركة.
ومن ابيات هذه المرثية الخالدة :
تَذَكّرْتُ من يَبْكي عليّ ، فلمْ أَجِدْ
سِوَى السَيْفِ والرّمحِ الرُّدَينيِّ باكيا
وأَشْقَرَ خِنْذِيذٍ يَجُرّ عِنانَهُ
إلى الماء، لم يتْرُكْ لَهُ الدهْرُ ساقيا
ولكنْ بِأَطْرَافِ السُّمَيْنَة نِسْوَةٌ
عَزيزٌ عَلَيْهِنّ العشيّةَ ما بيا
صرِيعٌ على أيْدِي الرّجَالِ بِقَفْرَةٍ
يُسَوُّوْنَ قَبْري، حَيْثُ حُمَّ قضائيا
ولَمّا تَرَاءَتْ عِنْدَ مَرْوٍ مَنيّتي
وحَلَّ بِهَا جِسْمي، وَحَانَتْ وَفَاتِيا
أَقولُ لأصْحابي ارْفعوني فانّني
يَطيبُ لعيْني أنْ سهَيلٌ بَدَا لِيا
فيا صاحبَي رحلي دنا المَوْتُ، فَانزلا
برابِيَةٍ.. ، إنّي مُقِيمٌ لَياليِا
أَقيما عليّ اليَوْمَ ، أو بَعْضَ ليلةٍ
ولا تُعْجِلاني قد تبيّنَ ما بِيا
وقُوما ، إذا ما استُلّ روحي ، فهيِّئا
ليَ السدرَ والأكفانَ، ثُمّ ابكيانيا
وخُطّا بأطْرَافِ الأسِنّةِ مضجعي
ورُدّا على عَيْنَيَّ فضلَ ردائيا
ولا تحشُداني ، باركَ اللَّهُ فيكما
من الأرْضِ ذَاتِ العَرضِ أن توسِعا ليا
خُذَاني ، فجُرّاني بِبُرديْ إليكما
فقد كُنْتُ ، قبل اليوم ، صَعباً قِياديا
فقد كنتُ عطَّافاً، إذا الخيلُ أدْبَرَتْ
سريعاً لدى الهَيْجا، إلى مَن دعانِيا
وقد كُنْتُ محموداً لدى الزّاد والقِرَى
وعنْ شَتْمِ ابن العَمّ وَالجارِ وانِيا
وقد كُنْتُ صَبّاراً على القِرْن في الوَغى
ثَقِيلاً على الأعداء، عَضْباً لسانيا
فطَوْراً تراني في ظِلالٍ وَنعمةٍ
وطَوْراً تَراني ، والعِتَاقُ ركابيا
وطورا تراني في رحىٍ مستديرةٍ
تَهيلُ عليّ الرّيحُ منها السَّوافيا
*********************************
3- مرثية (ليس الغريب غريب الشام واليمن) المنسوبة للأمام زين العابدين علي بن الحسين ، وهي اكثر مرثية تدمع لها العيون ويرقُّ لها القلب :
ليس الغريبُ غريبَ الشام واليمن
إن الغريبَ غريبُ اللحد والكفنِ
ان الغريبَ له حقٌّ لغربته
على المقيمين في الأوطان والسكنِ
لا تنهرنّ غريباً حال غربته
الدهرُ ينهره بالذل والمحنِ
سفْري بعيدٌ وزادي لن يبلّغَني
وقوّتي ضعفت والموتُ يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها
الله يعلمها في السر والعلنِ
ما أحلمَ اللهَ عني حيث أمهلني
وقد تماديتُ في ذنبي ويسترني
تمر ساعاتُ أيامي بلا ندمٍ
ولا بكاءٍ ولا خوفٍ ولا حزَنِ
أنا الذي أغلقُ الأبوابَ مجتهداً
على المعاصي وعينُ الله تنظرني
يا زلةً كُتبت في غفلة ذَهَبَتْ
يا حسرةً بَقِيتْ في القلب تُحرقني
دعني أنوحُ على نفسي وأندبُها
وأقطع الدهرَ بالتذكير والحَزَنِ
دع عنك عذليَ يا من كان يعذلني
لو كنتَ تعلمُ ما بي كنت تعذرني
دَعْنِي أَسُحُّ دُموعًا لا انْقِطاعَ لَها
فهَلْ عَسَى عَبْرَةٌ مِنْهَا تُخَلِّصُني
كَأَنَّنِي بَينَ جل الأَهلِ مُنطَرِحاً
على الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُني
وقَدْ تَجَمَّعَ حَوْلي مَنْ يَنوحُ و مَنْ
يَبْكي عَلَيَّ و يَنْعاني و يَنْدُبُني
وقَدْ أَتَوْا بِطَبيبٍ كَيْ يُعالِجَني
ولَمْ أَرَ الطِّبَّ هذا اليومَ يَنْفَعُني
واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها
من كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها
وصارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني
وغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا
بعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ
وقامَ مَنْ كانَ حِبُّ النّاسِ في عَجَلٍ
نحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتيني يُغَسِّلُني
وقالَ يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً
حُراً أَديبًا أَريباً عَارِفاً فَطِنِ
فجاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني
مِنَ الثِّيابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني
وأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحاً
وصارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يُنْظِفُني
وأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني
غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ
وأَلْبَسُوني ثِياباً لا كِمامَ لها
وصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيا فَوا أَسَفاً
عَلى رَحِيلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُني
وحَمَّلوني على الأْكتافِ أَربَعَةٌ
مِنَ الرِّجالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني
وقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا
خَلْفَ الإِمامِ فَصَلَّى ثُمَّ وَدَّعَني
صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لها
ولا سُجودَ لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُني
وأَنْزَلوني إلى قَبري على مَهَلٍ
وقَدَّمُوا واحِداً مِنهم يُلَحِّدُني
وكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني
وأَسْكب الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني
فقامَ مُحتَرِماً بِالعَزْمِ مُشْتَمِلاً
وصَفَّفَ اللَّبْنَ مِنْ فَوْقِي وفارَقَني
وقالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِموا
حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هناك ولا
أَبٌ شَفيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُني
فَرِيدٌ وَحِيدُ القبرِ، يا أَسَفاً
على الفِراقِ بِلا عَمَلٍ يُزَوِّدُني
وهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ
منْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني
منْ مُنكَرٍ ونكيرٍ ما أَقولُ لهم
قدْ هالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني
وأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهمُ
مالِي سِوَاكَ إِلهي مَنْ يُخَلِّصُنِي
فامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يا أَمَلي
فإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهنِ
فلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيا وَزِينَتُها
وانْظُرْ إلى فِعْلِها بالأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها
هلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ
خُذِ القَناعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها
لوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ
يا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً
يا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ
يا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي
فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني
يا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً
عسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ
والحمدُ للهِ مُمسِينا وَمُصْبِحِنا
مَا وَضَّأ البَرْقُ في شَّامٍ وفي يمنِ
ثمَّ الصلاةُ على الْمُختارِ سَيِّدِنا
بالخَيْرِ والعَفْوْ والإِحْسانِ وَالمِنَنِ
*********************************
4- من قصيدة الشاعر ابي العلاء المعري
(غير مجدٍ في ملتي واعتقادي) وهي من روائع شعره ورؤيته في الحياة ، وقد نظمها على البحر الكامل لذلك نرى التدوير في بعض ابياتها وهي مما يعرف به هذا البحر عديد الضروب..
ومن ابيات هذه القصيدة :
غَيْرُ مُجْدٍ في مِلّتي واعْتِقادي
نَوْحُ باكٍ ولا تَرَنّمُ شادِ
وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعيّ إذا قِي
سَ بِصَوْتِ البَشيرِ في كلّ نادِ
أَبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمَامَةُ أمْ غَنْ
نَت عَلى فَرْعِ غُصْنِها المَيّادِ
صَاحِ هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْ
بَ فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ
خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ ال
أرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ
وقَبيحٌ بنَا وإنْ قَدُمَ العَهْ
دُ هَوَانُ الآبَاءِ والأجْدادِ
سِرْ إنِ اسْطَعتَ في الهَوَاءِ رُوَيداً
لا اخْتِيالاً عَلى رُفَاتِ العِبادِ
رُبّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْداً مراراً
ضَاحِكٍ مِنْ تَزَاحُمِ الأضْدادِ
ودَفِينٍ عَلى بَقايا دَفِينٍ
في طَويلِ الأزْمانِ وَالآباءِ
فاسْألِ الفَرْقَدَينِ عَمّنْ أحَسّا
مِنْ قَبيلٍ وآنسا من بلادِ
كمْ أقامَا على زَوالِ نَهارٍ
وَأنارا لِمُدْلِجٍ في سَوَادِ
تَعَبُ كُلّها الحَياةُ فَما أعْ
جَبُ إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْديادِ
إنّ حُزْناً في ساعةِ المَوْتِ أضْعَا
فُ سُرُورٍ في ساعَةِ الميلادِ
خُلِقَ النّاسُ للبَقَاءِ فضَلّتْ
أُمّةٌ يَحْسَبُونَهُمْ للنّفادِ
إنّما يُنْقَلُونَ مِنْ دارِ أعْما
لٍ إلى دارِ شِقْوَةٍ أو رَشَادِ
ضَجْعَةُ المَوْتِ رَقْدَةٌ يُستريحُ ال
جِسْمُ فيها والعَيشُ مِثلُ السّهادِ
**********************************
5- من قصيدة الشاعر محمد مهدي الجواهري في رثاء أخية جعفر الذي أغتيل في عهد النظام الملكي في العراق :
أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ
بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ
فَمٌّ ليس كالمَدعي قولةً
وليس كآخَرَ يَسترحِمُ
يصيحُ على المُدْقِعينَ الجياع
أريقوا دماءكُمُ تُطعَموا
ويهْتِفُ بالنَّفَر المُهطِعين
أهينِوا لِئامكمُ تُكْرمَوا
أتعلَمُ أنَّ رِقابَ الطُغاة
أثقَلَها الغُنْمُ والمأثَم
وأنّ بطونَ العُتاةِ التي
مِن السُحتِ تَهضِمُ ما تهضم
وأنَ البغيَّ الذي يدعي
من المجد ما لم تَحُزْ مريمُ
ستَنْهَدُّ إن فارَ هذا الدمُ
وصوَّتَ هذا الفمُ الأعجمُ
فيا لكَ مِن مَرهمٍ ما اهتدَى
إليه الأُساة وما رهَّموا
ويا لكَ من بَلسمٍ يُشتَفى
به حينَ لا يُرتجى بَلسمُ
ويا لكَ من مَبسِمٍ عابسٍ
ثغور الأماني به تَبسِمُ
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد
تظَلُّ عن الثأر تستفهِمُ
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد
مِن الجُوعِ تَهضِمُ ما تَلهمُ
----------------------------------------------
6- ومن قصيدة شاعرنا الجواهري في رثاء زوجته ام فرات :
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ
أهذِهِ صَخرةٌ أمْ هذِه كبِدُ
قدْ يقتُلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا
عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
تَجري على رِسْلِها الدُنيا ويتبَعُها
رأيٌ بتعليلِ مَجراها ومُعتقَد
أعيا الفلاسفةَ الأحرارَ جهلُهمُ
ماذا يخِّبي لهمْ في دَفَّتيهِ غد
ناجيتُ قَبرَكِ استوحي غياهِبَهُ
عن ْحالِ ضيفٍ عليهُ مُعجَلا يفد
وردَّدَتْ قفرةٌ في القلبِ قاحِلةٌ
صَدى الذي يَبتغي وِرْداً فلا يجِد
خَلعتُ ثوبَ اصطِبارٍ كانَ يَستُرنُي
وبانَ كِذبُ ادِعائي أنَّني جَلِد
بكَيتُ حتَّى بكا من ليسَ يعرِفُني
ونُحتُ حتَّى حكاني طائرٌ غَرِد
**********************************
7- من قصيدة (حفار القبور) للشاعر بدر شاكر السياب ، وهي قصيدة طويلة من ديوانه انشودة المطر ، تحاكي حالة الفقر كقضية اجتماعية سادت في العراق وكأن الشاعر يرثي فيها حال بسطاء الحال وحياتهم..
وكذلك الحال في قصيدته (المومس العمياء) التي تصور الظلم في العراق والبؤس البشري والاخلاقي..
(ضوء الأصيل يغيم كالحلم الكئيب على القبور
واه كما ابتسم اليتامى أو كما بهتت شموع
في غيهب الذكرى يهوم ظلهن على دموع
والمدرج النائي تهب عليه أسراب الطيور
كالعاصفات السود كالأشباح في بيت قديم
برزت لترعب ساكنيه
من غرفة ظلماء فيه
وتثاءب الطلل البعيد يحدق الليل البهيم
من بابه الأعمى ومن شباكه الخرب البليد
والجو يملؤه النعيب
فتردد الصحراء في يأس واعوال رتيب
أصداءه المتلاشيات
والريح تذروهن في سأم على التل البعيد
وكأن بعض الساحرات
مدت أصابعها العجاف الشاحنات الى السماء
تومي الى سرب من الغربان تلويه الرياح
في آخر الأفق المضاء
حتى تعال ثم فاض على مراقيه الفساح
فكأن ديدان القبور
فارت لتلتهم الفضاء وتشرب الضوء الغريق
وكأنما أزف النشور
فاستيقظ الموتى عطاشى يلهثون على الطريق..
وتدفع السرب الثقيل
يطفو ويرسب في الأصيل
لجبا يرنق بالظلام على القبور الباليات
وظلاله السوداء تزحف كالليالي الموحشات
بين الجنادل والصخور
وعلى القبور
وتنفس الضوء الضئيل
بعد اختناق بالطيوف الراعبات وبالجثام
ثم ارتخت تلك الظلال السود وانجاب الظلام
فانجاب عن ظل طويل
يلقيه حفار القبور
كفان جامدتان أبرد من جباه الخاملين
وكأن جولهما هواء كان في بعض اللحود
في مقلة جوفاء خاوية يهوم في ركود كفان قاسيتان جائعتان كالذئب السجين
وفم كشق في جدار
مستوحد بين الصخور الصم من أنقاض دار
عند المساء ومقلتان تحدقان بلا بريق
وبلا دموع في الفضاء
هو ذا المساء
يدنو وأشباح النجوم تكاد تبدو والطريق
خال فلا نعش يلوح على مداه ولا عويل
الا النعيب
وتنهد الريح الطويل..)
----------------------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق