قراءة شعرية لقطعة لوحة/الشاعر عباس خلف عباس

* النص/ نهاية المقال..
يشعر القارئ ان لوحة تشكيلية حركت شجون الشاعر ، اذ تخاله جالسا على شاطئ بحيرة ، تتداعى احلامه وهو ينظر الى الضفة الاخرى البعيدة..
فالقطعة مفعمة باحساس عميق بالاشياء ، واحلام ما انفكت تحيا من لظى النوى ورماد الوجد الذي توقده حبيبةٌ كساها الحياء جمالا ، فلا صورتها تبرح الخيال ولاصداها يهجر نبض القلب..
فكأنهما يتموجان معا بايقاع منسجم..

# من مواضع الجمال اللغوي في القطعة# :
اولا : حركة الفاعل في (محورين متنافرين او متوازيين) هما الواقع الحاضر بكينونته ، والحلم صوب مرافئ (الحبيبة) التي ترد بضمير الغائب لانها المفقودة..
ليشكلان مع ضمير المتكلم للعاشق اقصوصة القطعة حين يرتد بينهما جموحا وارتدادا..
وهذا التناوب في الحركة هو ما يضيء القطعة بأجمل الصور وابلغها بيانا..

1- محاكاة الواقع الذي تتحسس معالمه نفسٌ حالمة وتصوره فنيا بشكل جميل في حركته وصوته كانها اعارته الحياة ليكون ندّا لها..
* ربما كان (العالم) ينتظِرُ لي عودةٌ أُخرى
أو .. لا ينتظِرْ ، لا يهُمُني
* صوت الماء كان يهمي
* ماست الاغصان
* تناثرت النجومُ من حولي ، كأنها فرطُ جمان
* تأوه الفجرُ فاغرا فاه.. حين فتحت عيني

2- الحبيبة(الحلم المفقود) التي سكنت شغاف القلب ، حيث ترد بضمير الغائب
- (تهبُّ كما الصبا)
- كأنها : شطٌ ، أغصانٌ تتدلى ، حمامٌ يهدُلْ
نوبةُ شرودٍ ،
وصيادٌ يغني
- وجهها المشرّبُ بالحياءْ..
كأنها البارحةْ

3- العاشق (المتكلم) المأسور بين الواقع والحلم ذلك الذي يحفظ الودّ ليبقى حيّا :
أ- يرد متعلقا (بفعل) من معالم الواقع والحياة ، اذ جاء مسبوقا ب (من) ، وكأن الخيار ليس له :
* مرّ شريطُ الذكريات (من أمامي)
* تناثرَت النجومُ (من حولي)
ب- لم يرد الفاعل (المتكلم) بكينونته الدالة عليه الا في موضعين ، لكنهما لايدلّان على فاعلية مؤثرة ، فقد وردا (كجملة خبرية تدل على الحال) فحسب ، وكأنّ المتكلم لايملك غير حلمه ولايقوى الّا عليه..
* وكأنني ..مازلتُ هناك
(مازلتُ هناك) : هي جملة في موضع خبر لاداة التشبيه (كأن)
* فخرجتُ من اللوحةِ من جديدْ ..
ودمعةٌ علقتْ فوقَ الأهداب
لتكتُبَ يوما آخرَ تؤرِخهُ الجروفْ ..
حيث نلحظ ان جملة :
(ودمعةٌ علقتْ فوقَ الأهداب لتكتُبَ يوما آخرَ تؤرِخهُ الجروفْ)
هي في محل (حال) للفعل خرجتُ التي تعني الخروج من الحلم..
----------------------------
ثانيا- نلحظ جمال البيان في التشبيه والاستعارة وفي اكثر من موضع :
- العالم.. ينتظر او لا ينتظر..
-صوت الماء كان يهمي…
اي (كأنه الدمع اذ يسيل)
- ماست الاغصان :
اي (كأنها تختال في حركتها)
- تهبُّ.. (كما يهب نسيم الصبا)
- جمال التصوير والتشبيه في عين العاشق :
كأنها : (شطٌ ، أغصانٌ تتدلى ، حمامٌ يهدُلْ ، نوبةُ شرودٍ ، وصياد ٌ يغني..)
- كأن (النجوم) فرط جمان
وهي تتناثر على وجهي
- تأوه الفجر فاغرا فاه..
حين فتحت عيني
- خرجت من اللوحة.. اي كأنني استيقظت من الحلم
ومن ثم وصف حال الخروج باستعارة جميلة (( لدمعةٍ تكتب ، وجروفٍ تؤرخ )) :
--------------------------
في ضوء ماتقدم ذكره ، نحس بعمق ذلك الاسى الشفيف الذي يعتمر قلب متيم لايملك فعلا مؤثرا امام عالم جحد حقه وافاض عليه بنحسه ، وهو يسافر مع تداعياته الى ضفة الحلم الاخرى حيث الحبيبة التي زادها الحياء وهمس عينيها جمالا وبهاءً مازال يضرب في عمق الوجدان..
--------------**----------------**----------
# في ايقاع القطعة الشعري # :
بنيت القطعة على التقارب بين ايقاعي المتقارب والمتدارك (فعولن ، فاعلن) وتحويلاتهما :
فعولُ/فعولْ/فِعْلُ/فَعُلْ
فاعلُ/فعِلن/فاعلان
ومن تحويلاتهما المشتركة (فعْلنْ)
وقد يرد ترفييل (فاعلن) لتكون (فاعلن تن) وتؤول (فاعلاتن)
ومن ثم يعاملها بعد ذلك في شعر التفعيلة كتفعيلة فاعلاتن بادخال (زحاف الكف او القبض او كليهما) لتكون :
(فاعلاتُ /فاعلَتن/فاعلَتُ)

وكمثال توضيحي سناخذ نموذجا من بداية القطعة ووسطها وخاتمتها :

اخذتني الاحلامُ الى هناك
الى الضفة البعيدة
اخذَتْ/نيِلْ احْ/لامُ ألى/هناك
فعلن/فعولن/فاعلان/فعولُ
الضْ ضفْ/فتِلْ/بعيدة
فعولن/فَعُلْ/فعولن

* صوت الماء كان يهمي
صوتل/ماءِ كا/ نيهْمي
فعْلن/فاعلن/فعولن

* لتكْتبَ يوماً آخَرَ
لتكْتُ/بَ يومن/أأْخَرَ
فعولُ/فعولن/فاعلُ
              *********************
النص الشعري :
لوحة /الشاعر عباس خلف عباس
" لوحة  "
سرّحتُ البصَرّ بعيدا
أخذتني الأحلامُ الى هناك ..
الى الضفة البعيدة ..
أغوصُ في المعنى
تركتُ العالمَ خلفي ، دخانْ
ربما كان ينتظِرُ لي عودةٌ أُخرى
أو .. لا ينتظِرْ ، لا يهُمُني
كانت ..
تهبُّ كما الصّبا
شطٌ ، أغصانٌ تتدلى ، حمامٌ يهدُلْ
نوبةُ شرودٍ
وصيادٌ يغني
صوتُ الماءُ كان يهمي
مرّ شريطُ الذكريات من أمامي
وجهها المشرّبُ بالحياءْ
كأنها البارحةْ
وكأنني .. ما زلتُ ذاكْ ..
ماست الأغصانْ
تناثرَت النجومُ من حولي
كأنها فرطُ جمان ..
فتحتُ عيني
فتأوهَ الفجرُ
فاغرا فاه ..
فخرجتُ من اللوحةِ
من جديدْ ..
ودمعةٌ علقتْ
فوقَ الأهداب
لتكتُبَ يوما آخرَ
تؤرِخهُ الجروفْ ..
        

عن الكاتب "فلان"

وصف موجز عن الكاتب هنا، كما يمكنكم متابعتي عبر المواقع الإجتماعية أدناه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Translate

إبدء الكتابة للبحث ثم أنقر enter