الشاعر عبد الامير الحصيري/محطاته الشعرية وموجز سيرته
عروة بن الورد في القرن العشرين/ الشاعر عبد الامير الحصيري (1942 - 1978).. شعره وموجز سيرته :
اولا- محطاته الشعرية وتميّزه الفني :
1- ينفرد الحصيري بين الشعراء بكتابة مطولات شعريه تؤكد ابداعه الادبي وامتلاكه ادوات فنه بدءا من بواكير اعماله ، كما تكشف بوضوح عن جزالة الفاظه ومهارته او ملكته النادرة التي عُرف بها في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين..
ففي ديوان الثاني (معلقة بغداد) نظم مطولة شعرية زادت ابياتها على 281 بيتا..
وقد اوجز الاستاذ جمال مصطفى مروان موهبته الشعرية المتميزة في ثلات محاور (بلاغة نظمه وصوره ، مطولاته الشعرية وانه نظم في جميع بحور الشعر العربي) ، وكان يعدّه الشعراء والنقاد خليفةً للجواهري كما خصّه الجواهري نفسه بذلك الوصف..
* ومن مطولاته الشعرية قصيدة (فارس الحق) التي تقع في 152 بيت شعري ، وهي اطول قصيدة نظمت في مدح الامام علي (ع)..
وقد نظمها الشاعر الحصيري على البحر الكامل ، وبسبب طول القصيدة فقد قسّمها الشاعر الى سبع مقاطع بنفس القافية حيث (يشكل كل مقطع نموا تصاعديا لما قبله) ، كما تكررت بعض القوافي مرتين بما يسمى عروضيا بالايطاء)..
لكن ذلك لم يضعف من بلاغة النظم والصور في القصيدة التي تتمحور كما يقول الباحث عبد المنعم القريشي (ضمن محورين اساسيين هما ثنائية الجسد - الروح ، الخير- الشر)
ونورد - ادناه- المقطع الاول والسابع (الاخير) من مطولته الشعرية (فارس الحق) في مدح الامام علي (ع) :
من المقطع الاول للقصيدة
--------------------------------
عمران يفترشان روحك كالندى..
إنْ رفَّ صبحاً في الحقول موردا
عمرٌ يجسَدُهُ كيانُك كلُّهُ.
ألقا تُصاغُ به المتاربُ عسجدا
ذو شاطئين: ربيبُ نفحٍ مآثرٌ
خضرٌ ، وآخرُ باللهيبِ قد ارتدى
آصرتَهُ..ووهبتَ كلَّ دقيقةٍ
تنسلَّ منه علاّ يفيضُ تجددا
وكسوتَ رونقَهُ الطَهورَ مهابةً
تملي على الدّنيا الخشوعَ مؤبدا
قد خضتَ فيهِ من الكفاحِ معاجزا
في عالمينِ فضاؤُهنَ تلبدا
المقطع (الاخير) للقصيدة
----------------------------------
أأبا الحسين وانت صقر الحق في الدْ
دُنيا الذي شبها له لن يوجدا
فاخلد بخفقةِ كلِّ قلبٍ طاهرٍ
قنديلَ هدْيٍّ بالوئامِ مهدهدا
ولخيرِ ماقطفَ المقاتلُ فاقةً
ومطامعاً ، ومآثماً ان يخلدا
علماً به تُهْدى العقولُ وتهتدي
نظمٌ ، وتلتزمُ الرذيلةُ مرقدا
ماأروعَ اليومَ الذي تهنا بهِ الد
دنيا بمأخذِها شعاعك مرشدا
فيهِ (سليمان) يضمُّ بقلبهِ
(بلقيسَ) وهي هوى تسامرُ هدهدا
2- كان الشاعر الحصيري ضليعا في علوم اللغة العربية ، وعُرِف تميّزه في الكشف الحذق لأخطاء الشعراء في اللغة والنحو والعروض ، ولذلك عُيِن سنة 1973-بتدخل من المرحوم عزيز السيد جاسم- محررا ثقافيا في مجلة وعي العمال ومن ثم انتقل للعمل كمصحح لغوي في مبنى الاذاعة والتلفزيون العراقي
3- تعتبر قصيدة (يا باسل الحزن) التي نظمها الحصيري في الحفل التأبيني للفنان الراحل جواد سليم من اجمل قصائده المنشورة.. وبهذا الصدد فقد احتفى بيت المدى الثقافي في شارع المتنبي بالشاعر الحصيري وهي المرة الاولى التي يَحتفى بذكره تكريما لرحيله شاعرا كبيرا ترك اعمالا شعرية جليلة ورحل بصمت ، وقد اشار الناقد مؤيد البصام في الحفل التأبيني الى وجود علاقة بين شعر الحصيري ونحت سليم جواد وقال( ان من يقرأ شعر الحصيري وينظر الى لوحات ونحت سليم جواز سيدرك مباشرة ان هناك قضية مستركة تجمع بينهما )
4- كتبت عن الحصيري مقالات ودراسات متفرقة وليت هناك من يطبعها في كتاب بمناسبة ذكرى رحيله..
واحسب ان من اكثرها اهمية هي :
أ- كتاب الصورة الاستعارية في شعر عبد الامير الحصيري للدكتور عمار سلمان المسعودي وهو من اصدارات المؤوسسة الوطنية للتنمية والتطوير.
ب- مقال (حين يموت الشاعر انتحارا ) للكاتب خضر عواد الخزاعي وهو يحتفي بذكر ثلاثة شعراء هم عبد الامير الحصيري ، عقيل علي ، وخليل حاوي اللبناني ونشرت في مجلة بصرياثا الثقافية الادبية سنة 2014
5- اعماله الشعرية :
للشاعر الحصيري حسب مدونة الدكتور ابراهيم العلاف تسع دواوين وهي بالتسلسل الزمني:
ازهار الدماء (آواخر الخمسينيات) - معلقة بغداد 1962- بيارق الآتين 1969- انا الشريد 1969- سباب النار 1970- مذكرات عروة بن الورد 1973- تشرين يقرع الاجراس 1974-اشرعة الجحيم 1974- تموز يبتكر الشمس 1976 .
كما ان له ديوانا بعنوان (احلام بابل) اختفت نسخته المخطوطة بعد وفاته مباشرة كما اختفى قسم من قصائده في حياته بين اصدقائه ولعل البعض منها مازال موجودا لان الحصيري كان يعيش حياته الخاصة اعزبا متنقلا في ازقة شارع الرشيد ومقاهيه وفنادقه..
----------------------------------------
ثانيا- موجز سيرته الذاتية :
1- الشاعر المرحوم من مدينة النجف ، ولد فيها عام 1942 ونشأ في بيئة مولعة بالادب والشعر واللغة حيث يهتم ادباء النجف ومثقفوها حتى رجال الدين فيها - كما هو شائع- بالشعر العربي العمودي تمسكا بأصالة الادب والمنبع..
وبدأ الحصيري نظم الشعر اواخر الخمسينيات مستهلا مشواره الادبي بديوان (ازهار الدماء) الذي فتح الافق لمسيرته الشعرية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي..
2- يلقبه اصدقاءه من الادباء ب (امير صعاليك بغداد) و(عروة زمانه) تيمناً بشاعر الصعاليك عروة بن الورد سيما ان الحصيري كتب ديوانا اسماه (مذكرات عروة بن الورد) عام 1973
3- كان يعرفه الشعراء واهالي بغداد في الستينيات بحضوره الى مقاهي شارع الرشيد وازقة الحيدرخانة وفنادقها ، اذ كان يعيش حياته الخاصة اعزبا لايبال كثيرا بملابسه المتهدلة ولحيته وهو الامر الذي دفع صديقه عزيز السيد جاسم-رحمه الله- عام 1973 اللتدخل في تعيينه محررا ثقافيا في مجلة وعي العمال لغرض ان يرتب حياته بما يليق به كشاعر وانسان معروف بثقافته وبراعته في علوم العربية..
4- وقد عرفت بعد زواجي ان للحصيري علاقة قرابة حميمة مع والد زوجتي الساكن في مدينة الكاظمية فهو ابن خالته وصديقه وكان الحصيري يزوره بأستمرار كلما جاء الى بغداد قادما من النجف كما ان خال زوجتي متزوج من شقيقة الحصيري (ام ضي) التي فقدناها عام 2016 -رحمها الله- والتي اعرفها عن قرب ام طيبة ماجدة ومؤمنة الى حد كبير..
وانا اكتب هذه السيرة اكراما لها ولاخيها الذي يُعْرف عنه انه طيب السريرة بسيطا متواضعا على الرغم من انه عاش كشريد اعزب ، وكان رحمه الله يحب العراق ويود ان لايفارق بغداد وشارع الرشيد..
وهو لايكترث ولا يبالي انّى تكون حياته فيها ولايعرف الاستقرار كطائر في رحاب السماء او ربان سفينة يمخر بحرا لاحدود له..
وهكذا الحال حتى توفي في احد فنادق شارع الرشيد الرخيصة بعجز في القلب سنة 1978 ليرحل آخر الصعاليك الى بارئه ويستقر به النوى في مقابر مدينته النجف تاركا بغداد التي احبها كعاشق متيم لا يبتغي عنها سواها..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق