شذرات شعرية من وحي لغة العيون
كتب الشعراء في النظم العمودي والحر والشعبي ، وعبر الرسامون ، ووصف الروائيون ، وانشد المغنون اعمالا مختلفة في لغة العيون التعبيرية..
في حيائها، بوحها الصامت والناعس، جرأتها ، لهفتها ،حزنها ،فرحها ،عتابها ،دهشتها ، خوفها و غيظها ...الخ
كما يظهر الاختلاف النسبي بين الناس في الاجابة على أي لغة تعبيرية للعيون أقرب الى مزاج النفس الانسانية..حيائها ام جرأتها ام لهفتها ام ذلك الهمس التعبيري بطرف العين ؟
اخترت -هنا- قطعتين من الشعر القديم وآُخريين من الحديث ، لعل فيها وصفا بيّنا في لغة العيون ، وشيئا من اجابة :
* من شعر عنترة بن شداد/في حياء العيون :
ولولا فَتاةٌ فِي الخِيامِ مُقيمَةٌ
لَمَا اختَرتُ قُربَ الدَّارِ يَوماً عَلى البُعدِ
مُهَفهَفَةٌ وَالسِّحرُ مِن لَحَظاتِها
إِذا كَلَّمَت مَيتاً يَقومُ مِنَ اللَّحدِ
أَشارَت إِلَيها الشَّمسُ عِندَ غُروبِها
تقولُ إِذا اِسوَدَّ الدُّجَى فَاطلِعِي بَعدي
وقالَ لَها البَدرُ المُنيرُ أَلا اسفِري
فإِنَّكِ مِثلِي فِي الكَمالِ وَفِي السَّعدِ
فوَلَّت حَياءً ثُمَّ أَرخَت لِثامَها
وقَد نَثَرَت مِن خَدِّها رَطِبَ الوَردِ
وسَلَّت حُساماً مِن سَواجي جُفونِها
كسَيفِ أَبيها القاطِعِ المُرهَفِ الحَدِّ
تُقاتِلُ عَيناها بِهِ وَهوَ مُغمَدٌ وَمِن
عَجَبٍ أَن يَقطَعَ السيفُ فِي الغِمدِ
* من شعر جرير/في العيون الحور (التي يشتد بياضُ بياضها مع شدة سواد سوادها)
ان العيونَ التي في طرفها حورُ
قتلننا ثم لم يحينَ قتلانا
يصرعنَ ذا اللبِّ حتى لاحراكَ به
وهنَّ اضعفُ خلقِ الله اركانا
ياحبذا جبلُ الريانِ من جبلٍ
وحبذا ساكنُ الريان من كانا
وحبذا نفحاتٌ من يمانيهِ
تأتيكَ من قِبلِ الريانِ احيانا
* قال الشاعر بدر شاكر السياب/في قصيدته انشودة المطر :
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ ،
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر .
عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ
وترقص الأضواء ... كالأقمار في نهَرْ
يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر
كأنما تنبض في غوريهما ، النّجومْ ...
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ
كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء ،
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف ،
والموت ، والميلاد ، والظلام ، والضياء ؛
فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء
ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء
كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر !
كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ
وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر ...
* وقال الشاعر مناف خالد السامرائي/في جرأة العيون :
لقد سمّرتني عينٌ خلتُها كاسي
فأَلهبت نشوتي شوقي وأحساسي
ظمأتُ حتى ارتوت من لحظها شفتي
وبانَ في وجنتَيْها حرُّ أنفاسي
فكانتا مثلَ جوريٍّ.. يُبلِلُهُ
قطرُ النّدى ، قزحٌ من غيرِ أقواسِ
وبانَ لي سحرُ عينيها كمملكةٍ
قد اوقفتْ رمْشَها فيها كحُراسِ
وابرقتْ جُرْأةَ العينينِ تأمُرُني
اضئْ دُجى الليلِ مِن شمعاتِ اعراسي
ليتَ الذي فرّقَ الاحبابَ يجْمَعَهُم
على صفاءٍ كصَفْوِ الزهرِ في الآسِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق