قراءة نقدية في قصيدة (الحسين) للشاعر المصري احمد بخيت
مقالي المنشور في مجلة المرايا الادبية العدد 24
قراءة نقدية في قصيدة (الحسين) -المكتوبة ادناه- للشاعر المصري احمد بخيت :
تصور القصيدة سيل المشاعر الصادقة الصافية في حبّ الامام الحسين في ضوء الفهم الواعي لنهضته وما تجلى عنها من دروس في الاباء والكرامة والتضحية باغلى مايحرص عليه الانسان لنصرة الدين والعرض..
ويمكن -من قراءة متأنية للقصيدة- ان نضع ايدينا على ستة موارد بنى عليها الشاعر موقفه واحساسه النبيل وجسدّه بتصوير فني دقيق نلمس فيه كثافة المعنى وجمال التعبير :
1- ان جسد الامام الحسين (ع) المثقل بالجراح في كل ناحية هو ابلغ درس في الجود والكرامة..
(كلُّ جرحٍ بيدرُ)..
فذلك الشيب الخضيب والخد التريب الذي عفرّته صحراء الطف هو ماجعل اسم الحسين اخضرَ في التاريخ والقلوب ونهج البعثة النبوية..
(اسماؤنا الصحراء واسمُك اخضر)
وان الامام الحسين يظل للمظلومين والاحرار مثابةً وصوتاً خالدا في الآفاق (هيهات منا الذلة) ، وهو ذبيح ابراهيم من هاجر وانتحابة مريم ودمع فاطمة..
فهو بكل ذلك سليل الطيبين من ابراهيم ومحمد (ص) وعتبة الاحزان والنحيب للطاهرات العابدات اللواتي اكرمهن الله بالذكر (هاجر ومريم وفاطمة الزهراء).. واستخدم في ذلك اسلوب النداء للتكريم والتعظيم والمناسب للبوح المتدفِّق..
أسماؤنا الصَّحراءُ واسمك أخضرُ
أرني جراحَك كلُّ جرحٍ بيدرُ
يا حنطة الفقراء يا نبع الرّضا
يا صوتنا والصَّمتُ ذئبٌ أحمرُ
يا ذبح هاجر يا انتحابةَ مريم
يا دمعَ فاطمة الَّذي يتحدَّر
2- في هذا المقطع يصور الشاعر المعنى الكبير لشهادة الحسين مبتدئا باخبار حقيقي عن دأب اهل البيت وكرامتهم بالشهادة كأن الله خصّهم بها مثلما حباهم بالرسالة..
إيهٍ أبا الشّهداء وابن شهيدهم
وأخا الشَّهيد كأنَّ يومك أعصُرُ
فالحسين (ع) سيد الشهداء وأبوهم وابنٌ لشهيد المحراب علي بن ابي طالب وأخٌ للحسن الشهيد وابنُ اخٍ لجعفر الطيّار شهيد مؤته..
وان بين اديم جسد الحسين والذكر الحكيم والدين القويم صلة الروح والايمان..
وقد قدمها الشاعر باجمل صورة حين جعل الجسد درعاً للدين، احياه الامام الحسين بالشهادة فصار روضة لذكر الله تعالى وتسبيحه واستغفاره..
وما الدماء التي كست ذلك الجسد العاري الا دليل مهابة وكرامة وعزّ للدين ، اذ تحفه -وهو دامٍ- الانبياءُ والملائكةُ والروحُ (جبريل).
كما نقرأ في الابيات التالية :
إيهٍ أبا الشّهداء وابن شهيدهم
وأخا الشَّهيد كأنَّ يومك أعصُرُ
جسدٌ من الذّكر الحكيم أديمُهُ
درعٌ على الدّين القويم ومِغْفَرُ
عارٍ وتكسوهُ الدّماءُ مهابةً
لا غمد يحوي السَّيف ساعة يُشْهَرُ
الأنبياءُ المرسلون إزاءَهُ
والرّوحُ والملأ الملائكُ حُضَّرُ
3- ويأخدنا هذا المعنى الجليل للشهادة وحجم التضحية بالاهل والاصحاب الى فضاء تعبيري ارحب سعة وجمالا..
فنقرأ ان خاتم الانبياء (ص) يرخي رداءه على الحسين حبَا وحزنا، فهو سليله الباقي الذي تظمأ الانهار لكبده الحرّى وهو من يروى بشهادته السامية هذه الدنيا لتفيض بالقيم الانسانية الكبرى ومكارم الاخلاق..
وهو ريحانته الذي يخلو مشرق الارض ومغربها من سبط نبي بعده ، حيث شاء الله ان يجعل عقب رسوله من رحم ابنته فاطمة وصلب علي ،
فهم اهل البيت الذين باهل فيهم النبي نصارى نجران واختص عليا لنفسه كما ذكرهم القرآن الكريم بآيات المباهلة والتطهير والمودة :
(قلْ لا اسئلُكم عليهِ اجراً الّا المودةَ في القُربى)
والحسين هو الذي اراده الله بقضائه شهيدا ضامئا وعبرة للأحرار ونهجا للرسالة..
وقد أنار الشاعر هذه الرؤية بشكل فني جميل عبر اسلوبي الشرط والنفي اختار لهما اداة امتناع لوجود هي لولا الشرطية ، واداتي نفي هي لا و ليس..
فلولا ذلك القضاء لسعى اليه الكوثر من جنان الله ، وان نور الامامة والكرامة لا الثوب هو الذي يستر جسداً عارياً مسلوبَ العمامة والرداء من اشقياء امة عرجاء لم تحفظ لنبيها في ذريته ودّا..
وهكذا يظل مقامه في قلوب الاحرار حيّا لايوارى كالشمس تشرق اذ تغيب فلا تموت ولا تُقبَر ، ولعل في ذلك معارضة - في المعنى والدلالة- لبيت شعري لأبي الطيب المتنبي في رثاء أمير اللاذقية محمد بن اسحق التنوخي، والبيت على البحر الكامل ايضا وفيه صورة أخرى لمجاز التشبيه عن دفن شخصية تحظى بمقام رفيع :
(ماكنت احسبُ قبل دفنِك في الثرى
ان الكواكبَ في التُّرابِ تغورُ)
اذ لا يكون في الحسبان أن في طَوْلِ الثرى أن يدفنَ كوكبا دُريّا او شمسا مشرقة..
ويقول الشاعر احمد بخيت :
ومحمّدٌ يرخي عليه رداءَهُ
ويقول: يا ولداه فُزتَ وأُخْسِروا
يا أظمأ الأنهارِ قبلكَ لم تكن
تروي ظما الدّنيا وتظمأُ أنهُرُ
لولا قضاءُ الله أن تظما له
لسعى إليك من الجنانِ الكوثرُ
يا عاريَ الأنوار مسلوبَ الرّدا
بالنّورِ لا بالثّوبِ ظهرك يُسترُ
يا داميَ الأوصال لا قبر لهُ
أفديك إنَّ الشّمس ليست تُقبَرُ
4- ولعل اجمل ما في القصيدة هي صورة الرثاء المؤطرة بالحزن والتعريض..
اذ نلمس فيها شديد الاسى لمصاب سيد الشهداء حين يصور الشاعر القصائد كحال امٍّ ثكلى ينحر في حجرها طفل النبوة والشعر اشعثُ اغبر..
كما نلمس فيها بيان التعريض بالظالمين لكذبهم وسوء طويتهم وفكرهم حين ناصبوا سبط نبيهم العداء وبخسوا حقه اذ يعدلونه جهالة وطمعا بحاكم ضال كيزيد بن معاوية وامير فاسق كعبيد الله بن زياد بن ابيه اذ لا ابَ معروفا له..
ومن نكد الدنيا ان يختصر خنجر الغدر المسافة بين الثرى والثريا في صورة استعارية جميلة لتبيين سعة البون واختزاله بالغدر والظلم..
أوَلم يشمّوا فيك عطر المصطفى
كذبوا فعطر المصطفى لا يُنكَرُ
كلُّ القصائدِ فيك أمٌّ ثاكلٌ
في حجرها طفل النبوَّة يُنحَرُ
عريانةٌ حتى الفؤاد قصيدتي
والشِّعرُ بين يديَّ أشعثُ أغبرُ
قلْ لي بمن ذا يعدلونك والَّذي
فطر الخلائق شسع نعلك أطهرُ..
شتانَ ما بين الثريا والثرى
بُعْدًا ويختصرُ المسافةَ خنجرُ
5- وفي المقاطع التالية نلمس جميل الفخر بالبيت الكريم والنسب الشريف وشجاعة اهله في الحق وصولتهم في الوغى باروع صور الفخر التي تجلّيها بلاغةُ الخبر وهي تربط آصرة متينة بين ايام صدر الرسالة ويوم كربلاء بوحدة الموقف الشجاع ومنهج الحق المبين..
ويورد لذلك اسماء السلف الكرام من أهل بيته :
[الجدّ المدثّر كناية عن النبي (ص) ، يعسوب الحقائق حيدر ، حمزة عم النبي ، جعفر الطيار والحسن الزكي]
وتبدأ -اولا- من الرضا بقضاء الله نصرة للدين الذي لولاه لارتد الردى عن وجه سيد الشهداء ، كما يقول الشاعر وكأنه يستحضر -هنا- مقولة الامام الحسين يوم تاسوعاء :
{ هون مانزل بي انه بعين الله ، اللهم لايكن عليك اهون من فصيل (ناقة صالح) ، اللّهمّ إن كنتَ حَبَسْتَ عنّا النصر، فاجعلْ ذلك لما هو خير في العاقبة، وانتقم لنا من القوم الظالمين }
لولا قضاء الله لارتد الردى
عن حُر وجهِك باكيًا يستغفرُ
وَلَرَدَّ ذؤبانَ الفلاةِ ليوثُها
واحتز حمزةُ في الرؤوسِ وجعفرُ
ولذاد عنك أخوك أشجع من مشي
-إلا أبوك وجدُك المدثرُ-
ولكان أول من يرد رؤوسَهُم
للشام يعسوبُ الحقائقِ حيدرُ
والله لو لمحوا اللواءَ بكفِّهِ
لرأوا وطيسَ الحربِ كيف يُسعَّرُ
هو مَنْ علمتَ ويعلمونَ بلاءَهُ
وهو الفتى النبويُّ لا يتغيرُ
تمشي الملاحمُ تحتَ مَضْربِ سيفهِ
ووراء ضربتهِ يلوحُ المحشرُ
لو حارب الدنيا بكلِّ جيوشِها
تتقهقرُ الدنيا ولا يتقهقرُ
6- في المقاطع الاربعة عشر الاخيرة من القصيدة تتكرر عبارة (ياتي زمانٌ) عشر مرات لتسلط النور على افق الغد وقد قصدها الشاعر بصنعة فنية حسنة اذ اختار لها جملة الفعل (يأتي زمانٌ) وهو -هنا- فعل لازم يتعدى بحرف جر اي (يأتي زمان عليهم) ..
والفعل (أتى) يرد في المعاجم اللغوية لازما يتعدى بحرف جر ويعدّ الاسم المجرور في محل نصب مفعول به بنزع الخافض ..
كما يرد ( أتى) متعديا لمفعول به بدون حرف..
والجميل في القصيدة ان المعنى لا يَبين بالجملة الفعلية حتى تلحقه جملة حالية تكشف -بالمجاز والخبر- عن افق الغد حيث يتجلى في الواقع جحودُ الدنيا وبلادةُ الحس وفسادُ العقول ويظهر ذلك بصيغ لغوية مختلفة :
جملة اسمية من مبتدأ وخبر ، او جملة ناسخة من فعل ناقص او لا النافية للجنس…الخ
فتاتي بذلك الصورة الخبرية جميلة بمجازاها وبدلالة محتواها..
كما سنقرا في الابيات التالية :
يأتي زمانٌ لا نجومَ ليهتدوا
يأتي زمانٌ لا غيومَ ليمطروا
يأتي زمانٌ ليس يعلم تائهٌ
هل فيكَ أم في قاتليكَ سيحشرُ؟
يأتي زمانٌ والمودةُ غربةٌ
والكُرْهُ بلدتُنا التي نستعمرُ
يأتي زمانٌ كلُّ شيء ٍزائفٌ
حتى اللِّحى العمياءُ وهي تُبصِّرُ
يأتي زمانٌ وابنُ آدمَ خُبزُهُ
دينٌ يدينُ به وفيه يُكفَّرُ
يأتي زمانٌ والكرامةُ سُبَّةٌ
والعارُ فرعونُ الذي يتجبرُ
يأتي زمانٌ والسقوطُ وجاهةٌ
والناسُ مرعًى والرعاة الشُّمَّرُ
يأتي زمانٌ.. كلُّ شيءٍ ضِدُّهُ
الليلُ يُشْمِسُ والظهيرةُ تُقْمِرُ
يأتي زمانٌ لا زمانَ لأهلهِ
إلا رجال الله وهي تبشِّرُ
يأتي زمانٌ فالسلام على الذي
ذبحوه في الصحراء وهو يكبِّرُ
هذا ولائي يا ابنَ بنتِ محمدِ
أنت الشهادةُ والشهيدُ الأكبرُ
يدُ أُخْتِكَ الحَوراءِِ مسَّت جبهتي
فدماي تكبيرٌ وصوتي "المنبرُ"
كفي على جمرِ المودةِ قابضٌ
ودمي بحبِكُمُ الطَّهورِ مطهَّرُ
بايعت عن نجباءِ مصرَ جميعِهم
وأنا ابنُ وادي النيل واسْمي الأزهرُ
-----------------------------------------
7* في ايقاع القصيدة :
القصيدة من البحر الكامل..
متفاعلن متفاعلن متفاعلن
وهو من اكثر الاوزان دورانا واكثر البحور أضربا..
ولعل الشاعر اختاره لان هذا البحر كما يقول الدكتور صفاء خلوصي (يجود في الخبر اكثر منه في الانشاء وهو الى الشدة اقرب منه الى الرقة وقد نظمت فيه معلقتا لبيد بن ربيعة وعنترة بن شداد) ومطلعهما :
- عفت الديار محلها فمقامها…
- هل غادر الشعراء من متردم..
على حين ينفع البحر الوافر في رقة البوح المتدفق..
1- ابيات القصيدة من البحر الكامل التام (متَفاعلن متَفاعلن متَفاعلن) ويستعمل هذا البحر تاما ومجزوءا ..
وقد جاء عروض الصدر (آخر تفعيلة في صدر البيت) صحيحا (متَفاعلن) وضرب العجز فيها صحيحا (متَفاعلُن) ومضمرا (متْفاعلن) بتسكين الحرف الثاني المتحرك..
اما حشو الابيات فجاء فيها زحاف الاضمار على تفعيلة متَفاعلن لتؤول متْفاعلن وتكتب مسْتفْعلن.
* أسماؤنا الصَّحراءُ واسمك أخضرُ
أرني جراحَك كلُّ جرحٍ بيدرُ
أَسْماؤنَصْ/صَحْرَاءُ وَسْ/مُكَ اَخْضَرو
مستفعلن/مستفعلن/متَفاعلن
أَرِنِي جِرَا/ حَكَ كُلْلَ جَرْ/حِنْ بَيْدَرو
مستفعلن/متَفاعلن/متْفاعلن
2- جاء عروض الصدر في بيتين من القصيدة مضمرا (متْفاعلن) بتسكين التاء ، وهو جائز في البحر الكامل بشرط ان لاتكون كل التفاعيل في الشطر الشعري مضمرة لئلا يختلط ببحر الرجز ويكفي ان يكون احدها صحيحا..
لكن الاولى عند اغلب العروضيين ان يكون عروض الصدر (اي آخر تفعيلة فيه) صحيحا (متَفاعلن) لان الاضمار وهو زحاف يكون في الاسباب يقع في حشو البيت بخلاف العلة فانها لاتقع الا في الأعاريض والضروب..
* يا حنطة الفقراء يا نبع الرّضا
يا صوتنا والصَّمتُ ذئبٌ أحمرُ
* كلُّ القصائدِ فيك أمٌّ ثاكلٌ
في حجرها طفل النبوَّة يُنحَرُ
(ياحُنْطَتِلْ/ فُقَرَاءْ يَا/ نَبْعرْ رِضا)
مستفعلن/ متَفاعلن/متْفاعلن
ولو كانت -على سبيل المثال- :
يا حنطة الفقراء يا أمَلَ الرضا… في البيت الاول
إنَّ القصائدَ فيكَ حسْرَةُ ثاكلٍ… في البيت الثاني
لكانت تفعيلة عروض الصدر (متَفاعلن) اسوة بابيات القصيدة من دون اشكال عروضي..
***********************************
قصيدة (الحسين)/للشاعر المصري أحمد بخيت
أَسْمَاُؤنَا الّصحراءُ واسْمُكَ أخْضَرُ
أرني جِراحَك كلُّ جرحٍ بَيْدرُ
يا حِنطةَ الفقراءِ يا نبعَ الرضا
يا صوتَنا والصمتُ ذئبٌ أحمرُ
يا ذبحَ هاجرَ يا انتحابةَ مريمٍ
يا دمعَ فاطمةِ الذي يَتحَدّرُ
إيٍهٍ أبا الشهداءِ وابنَ شهيدِهم
وأخا الشهيدِ كأن يومَك أعْصُرُ
جسدٌ من الذِّكْرِ الحكيمِ أديمُهُ
درعٌ على الدينِ القويمِ ومِغْفَرُ
عارٍ وتكسوه الدماءُ مهابةً
لا غمدَ يحوي السيفَ ساعةَ يُشْهَرُ
الأنبياءُ المرسلونَ إزاءَهُ
"والروحُ والملأُ الملائِكُ " حُضَّرُ
ومحمدٌ يُرخِي عليهِ رداءَهُ
ويقول: يا وَلَدَاه فُزتَ وأُخْسِروا
يا أظمأ الأنهارِ قَبلكَ لمْ تكُنْ
تَروي ظَما الدنيا وتظمأُ أنْهُرُ
لولا قضاءُ الله أن تظما له
لسعى إليك من الجنانِ الكوثرُ
يا عاريَ الأنوارِ مسلوبَ الرِّدا
بالنورِ لا بالثَوبِ طُهْرُكَ يُسْتَرُ
يا داميَ الأوصالِ لا قَبْرٌ لهُ
أفْدِيكَ إِنِّ الشَّمْسَ ليستْ تُقْبَرُ
طُلاّبُ موتك يا اَبْنَ بِنْتِ محمدٍ
خَرَجوا من الصحراءِ ثم تصحّروا
وكأن خيل الله لم تركض بهم
والسامرين بمكة لم يسمروا
وكأن برقًا ما أضاء ظلامهم
فمشَوا تجاه النور ثم استدبروا
وكأنما ارتدوا على أعقابهم
فأبوك أنت وهم جميعا خيبرُ
أوَلم يشمُّوا فيك عطر المصطفى
كذبوا فعطر المصطفى لا يُنكَرُ
كلُّ القصائدِ فيك أمٌّ ثاكلٌ
في حِجْرِها طفلُ النبوةِ يُنحرُ
عريانةٌ حتى الفؤادِ قصيدتي
والشِّعْرُ بَيْنَ يَدَيّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ
قلْ ليْ بمن ذا يَعدِلونك والذي
فطرَ الخلائقَ شسعُ نعلِك أطهرُ
شتانَ ما بين الثريا والثرى
بُعْدًا ويختصرُ المسافةَ خنجرُ
لولا قضاء الله لارتد الردى
عن حُر وجهِك باكيًا يستغفرُ
وَلَرَدَّ ذؤبانَ الفلاةِ ليوثُها
واحتز حمزةُ في الرؤوسِ وجعفرُ
ولذادَ عنكَ أخوكَ أشجعَ من مشي
-إلا أبوك وجدُك المدثرُ-
ولكانَ أولَ من يرد رؤوسَهُم
للشام يعسوبُ الحقائقِ حيدرُ
واللهِ لو لمحوا اللواءَ بِكفّه
لرأوا وطيسَ الحربِ كيف يُسعَّرُ
هو مَنْ علمتَ ويعلمونَ بلاءَهُ
وهو الفتى النبويُّ لا يتغيرُ
تمشي الملاحمُ تحتَ مَضْربِ سيفهِ
ووراء ضربتهِ يلوحُ المحشرُ
لو حارب الدنيا بكلِّ جيوشِها
تتقهقرُ الدنيا ولا يتقهقرُ
يأتي زمانٌ لا نجومَ ليهتدوا
يأتي زمانٌ لا غيومَ ليمطروا
يأتي زمانٌ ليس يعلم تائهٌ
هل فيكَ أم في قاتليكَ سيحشرُ؟
يأتي زمانٌ والمودةُ غربةٌ
والكُرْهُ بلدتُنا التي نستعمرُ
يأتي زمانٌ كلُّ شيء ٍزائفٌ
حتى اللِّحى العمياءُ وهي تُبصِّرُ
يأتي زمانٌ وابنُ آدمَ خُبزُهُ
دينٌ يدينُ به وفيه يُكفَّرُ
يأتي زمانٌ والكرامةُ سُبَّةٌ
والعارُ فرعونُ الذي يتجبرُ
يأتي زمانٌ والسقوطُ وجاهةٌ
والناسُ مرعًى والرعاة الشُّمَّرُ
يأتي زمانٌ.. كلُّ شيءٍ ضِدُّهُ
الليلُ يُشْمِسُ والظهيرةُ تُقْمِرُ
يأتي زمانٌ لا زمانَ لأهلهِ
إلا رجال الله وهي تبشِّرُ
يأتي زمانٌ فالسلام على الذي
ذبحوه في الصحراء وهو يكبِّرُ
هذا ولائي يا ابنَ بنتِ محمدِ
أنت الشهادةُ والشهيدُ الأكبرُ
يدُ أُخْتِكَ الحَوراءِِ مسَّت جبهتي
فدماي تكبيرٌ وصوتي "المنبرُ"
كفي على جمرِ المودةِ قابضٌ
ودمي بحبِكُمُ الطَّهورِ مطهَّرُ
بايعت عن نجباءِ مصرَ جميعِهم
وأنا ابنُ وادي النيل واسْمي الأزهرُ
---------------------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق