قراءة في قصيدة (سدف) للشاعرة السورية افتخار هديب

# لعل سرَّ جمال هذه القطعة الشعرية ادناه يكمن في حكمها الرائعة التي تخصّنا جميعا..
والحال ان الحياة تبدا في عتمة الرحم وتنتهي في ظلام القبر ولعل هذا مايفسر العنوان (سدف) ، كما ان نقطة الشروع في الحياة وخط النهاية فيها يوحدهما البكاء ! فلا يولد الانسان الا باكيا ولا يرحل الا مبكيا عليه ، وبين نقطة الشروع والنهاية رحلة السراب القصيرة للملك والخلود في ظن الانسان ضيق الرؤية -كما وردت في البيت العاشر الاخير :
وما العُمرُ إلَّا بَريقُ سرَابٍ
يخَالُهُ ظَامِئُ بِيْدٍ كَماءِ
والانكى من رؤيته وغفلته تلك انه يعلم الحقيقة ولا يعتبر منها..
والنص -هنا- يؤسس لهذا المعنى عبر موضوعتي (الوهم والعبرة) في تضادهما وصراعهما في الذات الانسانية..
* اولا/ في موضوعة الوهم الانساني :
نقرأ ان الانسان (يطارد وهم الحياة) بعزم البقاء ، وينسى ان (سهم المنايا اشد مضاءً) ولايخطئ اذ يصيب..
ولعل (البيت الاول) هذا مفتاح القصيد..
وهو ينقلنا في موضوعة الوهم الى الابيات الخمس التالية التي نلمس فيها جمال التصوير الفني بالاستدراك والاستفهام :
- ففي البيت الاول والثاني نلحظ جمال الاستدراك وبلاغة الخبر في عجز البيتين على ماورد في صدرهما ، كأن شكل النص هو :
ويَغشَى الضِّياءُ العُيُونَ بِسِحرٍ
لكن (همسَ المرايا كثيرُ الرياء)..
وَ تَصبُو قُلُوبُ الأَنَامِ لِوَعدٍ
لكن (وَعدَ البَرَايَا بِبَابِ السَّمَاءِ)
ولايفوتنا -هنا- جمال المجاز في (همس المرايا)

- وفي الابيات الرابع الخامس والسادس جاء جمال الصورة بدلالة الاستفهام البياني (بالاداة كم الخبرية) على كينونة البشر في تناسي الحقائق او التغاضي عنها ..
و تَنسَى الجَوَارِحُ يَومَاً قَرِيبَاً
شدِيدَ العَذَابِ كَثِيرَ العَطَاءِ
فكَم مِنْ فَرَاشٍ يَمُوتُ بِحُزنٍ
بِزَيفِ الشُّمُوعِ وَ نارِ الوَفَاءِ
وكَمْ في القُبورِ لنا من شُهُودٍ
وفي النَّائحاتِ نَفيرُ البلَاءِ
ونلحظ -هنا- جمال المقابلة البلاغية في البيت الرابع بين يوم شديد العذاب وكثير العطاء ، ولطف الكناية في البيت الخامس ( وكم من فَرَاشٍ يموت بحزنٍ ** بزيف الشموع ونار الوفاء)
وصورة الاستعارة عن الهول والفزع يوم الحساب في البيت السادس (وفي النائحات نفيرُ البلاء)

* ثانيا/في موضوعة العبرة :
نقرأ ان الانسان الذي اصطفاه الله عن الخلق بالعقل والادراك وحباه بالكرامة وانابه خليفة على الارض.. يظلُّ مأسورا بالوهم والسراب ولايعتبر من (حمام الردى اذ يحلّ والقضاء اذ لا يُرد) ليحمل زادا لسفرته الطويلة وليومٍ تشخص فيه الابصار حين ينتزعه الردى من الحياة صاغرا وحيث (لاينفعُ فيهما دواء ولا مال ولا جاه ، ولاتُستَعطَفُ دمعةُ عين ولا قلبُ أمّ ولا رجاءَ الا برحمة الله)..
كما اشار النص في الابيات السابع والثامن والتاسع..
حِمَامُ الرَّدى إِذْ يَحِلُّ بقَومٍ
لاشَيءَ يَمْنَعُ حُكمَ القَضاءِ
فلا قَلبُ أُمٍّ وَ لا دَمعُ عَينٍ
يَحينُ الوَداعُ وَ لا منْ دَواءِ
و لا كَنزُ مَالٍ وِ لا بَيتُ جاهٍ
إلى اللهِ نَحمِلُ كُلَّ الرَّجاءِ

** اما ايقاع القطعة فقد جاء على البحر المتقارب
(فعولن) اربع مرات..
- ويمكن ان نقرأ حرف الروي (بالسكون) ليكون بتفعيلة (فعولْ) المقصورة (باسقاط ثاني السبب الخفيف واسكان اوله) :
وسهْمُلْ/مَنَايا/شديْدُلْ/مضاءْ
فعولن/فعولن/فعولن/فعولْ

- وجاء في حشو الابيات جواز قبض تفعيلة (فعولُن) لتكون (فعولُ) ماعدا عجز البيت السابع فقد جاءت (فعولن) في أوله مخرومة (بحذف اول الوتد المجموع من اول البيت) لتؤول (فعْلنْ) :
(لاشَيءَ يَمْنَعُ حُكمَ القَضاءِ)
لاشيْ/ ءَ يَمْنَ/عُ حُكْمل/قضاءي
فعْلنْ/فعولُ/ فعولن/ فعولن
ويمكن ادخال فاء الاستئنافية على (لا شيءَ) لتكون تفعيلة (فلا شي) هي (فعولن) تامة
(حِمَامُ الرَّدى إِذْ يَحِلُّ بقَومٍ
فلا شَيءَ يَمْنَعُ حُكمَ القَضاء
وَلا قَلبُ أُمٍّ وَ لا دَمعُ عَينٍ
يَحينُ الوداعُ ولا منْ دواء)
          _________________________

      #سـُدَفٌٌ !!/الشاعرة افتخار هديب

نُـطـارِدُ  وَهــمَ الـحَـيـاةِ بِـعَـزْم ٍ
وَسَـهْـمُ المَنايـا  شَديدُ المَضـاءِ

وَ يَغشَى الضِّياءُ العُيُونَ بِسِحرٍ
وَ هَمسُ المَرَايَـا  كَثِيـرُ  الرَّيَـاءِ

وَ تَصبُـو قُلُـوبُ الأَنَـامِ  لِـوَعـدٍ
وَ وَعـدُ البَـرَايَـا  بِـبَـابِ السَّـمَاءِ

وَ تَنسَى الجَوَارِحُ  يَومَاً قَرِيـبَاً
شـَدِيـدَ العَـذَابِ  كَثِيـرَ العَطَـاءِ

فَـكَم مِـنْ فَرَاشٍ يَمُوتُ بِحُزنٍ
بِـزَيفِ الشُّـمُوعِ  وَ نـَارِ الوَفَـاءِ

وَ كَمْ في القُبـُورِ لنا من شُهُودٍ
وَ فِـي النـَّائحـاتِ  نَفيـرُ البـَلَاءِ

حِمَـامُ الـرَّدى  إِذْ  يَـحِلُّ  بـِقَومٍ
فلاشَـيءَ  يَمْنَـعُ حُـكمَ القَـضـاءِ

فَـلا قَلـبُ أُمٍّ  وَ لا دَمـعُ  عَيـنٍ
يَحينُ الـوَداعُ  وَ لا مـنْ  دَواءِ

وَ لا كَـنزُ  مَـالٍ وِ لا بَيـتُ جـَاهٍ
إلـَى اللـهِ نَحمِـلُ  كُـلَّ  الـرَّجاءِ

وَ مَـا العُمـرُ  إلَّا  بَريقُ  سـَرَابٍ
يَـخَـالُـهُ  ظَامِـئُ   بِيْـدٍ  كَـمـاءِ
           ***************************

عن الكاتب "فلان"

وصف موجز عن الكاتب هنا، كما يمكنكم متابعتي عبر المواقع الإجتماعية أدناه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Translate

إبدء الكتابة للبحث ثم أنقر enter