ابيات شعرية من عبر التأريخ في شهر رجب
(عزيمة الصبر و مكارم الاخلاق عند عِظَم النوائب)..
وهو نهجٌ وعر أنارتُهُ في شهر رجب الأصب ثلاثُ مناسباتٍ لاهل بيت المحن (آل محمد وعلي) :
1- يوم 13 رجب/من سنة 23 ق. الهجرة :
ولادة امام الموحدين والمتقين علي بن ابي طالب (ع)
2- يوم 15رجب/من سنة 62 هجرية :
وفاة السيدة زينب بنت الامام علي (ع)
3- يوم 25 رجب/من سنة 183 هجرية :
شهادة الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع)
----------------------------------------------
* فعلي (ع) عاش مع الصبر على جحود قومه ورعيته من اهل الدنيا حسدا وبغضا منذ ان شبّ في الاسلام مقاتلا شجاعا صرع صناديد قريش وبابا لمدينة علم رسول الله محمد (ص) واخا وصهرا وحبيبا له..
حتى قال في محن صبره :
- صبراً على شدةِ الأيام أِن لها
عقبى، وما الصبر الاّ عندَ ذي حسبِ
- الصبر صبران : صبر على ماتكره ، وصبر على ماتحب
- سأصبرُ حتى يعجز الصبر عن صبري
سأصبرُ حتى ينظر الرحمن في أمري
سأصبر حتى يعلم الصبر أنّي
صبرت على شيءٍ أمرُّ من الصبرِ
- وقال مخاطبا رعيته في العراق :
(أما إني أعلم الذي تريدون ويقيم أودكم ، ولكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي )
- ومن اجمل الابيات التي نظمت في صبره وشجاعته في الحق ومناقبه قصيدة الشيخ الموصلي عبد الباقي العمري (انت العلي)
وهذه ابيات من القصيدة :
أنت ألعلي ُّ الذي فوقَ العُلا رُفِعا
ببَطن ِ مكّة َ وسط َ البيتِ إذ وُضِعا
وأنتَ حيدرةُ الغابِ اّلذي أسدُ أل
بُرج ِالسماويِ ّ عنهُ خاسِئاً رجَعا
وأنتَ بابٌ تعالى شأنُ حارِسهِ
بغير ِ راحة ِ روح ِالقُدس ِ ما قُرِعا
وأنتَ ذاك َ البَطينُ المُمْتلئ حِكماً
معشارُها فَلك ُ الأفلاك ِ ما وسِعا
وأنتَ ذاك َالهِزبرُ الأنزعُ البطلُ ألّ
ذي بمِخلبهِ للشركِ قد ْ نُزعا
وأنت َنقطةُ باءٍ معْ توحُّدها
بها جميع ُ الذي في الذكرِ قدْ جُمِعا
وأنت َ والحق ُّ يا أقضى الأنامُ بهِ
غداً على الحوض حقاً تُحشرانِ معا
وأنت َ صنو نبيٍّ غَير شرعتِهِ
لِلأنبياء ِ إله ِ العرش ِ ما شَرعا
وأنت َ زوج ُ ابنةِ الهادي إلى سُنَنٍ
مَن ْ حادَ عنهُ عَداهُ الرشدُ فانخدعا
وأنتَ غوثٌ وغيثُ في ردى وندى
لخائفٍ وَلراجٍ ٍ لاذ َ وانتجَعا
وأنتَ ركنٌ يُجير ُ المُستجيرُ بهِ
وأنتَ حِصْنٌ لِمَنْ مِنْ دَهره فزِعا
وأنتَ عينُ يقينٍ لم ْ يَزدهُ به
كشف ُ الغِطاء يقيناً أيةُ انقشعا
وأنت َ مَن فُجِعَ الدينُ المبينُ بهِ
ومَن بأولادِهِ الإسلام ُ قد فُجِعا
وأنتَ أنت َ الذي مِنهُ الوجودُ نضى
عمود ُ صبحٍ ٍ ليافوخ ِ الرِّجا صَدَعا
وأنتَ أنت َ الذي حطّت لهُ قدمٌ
في موضعٍ يدهُ الرّحمن ْ قد ْوَضعا
وأنتَ أنت َ الذي للقبلتينِ ِ مع الـ
نبيِّ أول ُ مَن صلّى ومَن رَكعا
وأنتَ أنتَ الذي في نفسِ مضجعهِ
في ليلِ هجرتهِ قد ْ بات ْمضطَجعا
وأنت َ أنتَ الذي آثارهُ ارتفَعَتْ
على الأثيرِ وعنه ُ قدره ُ إتضَعا
وأنت َ أنتَ الّذي يلقى الكتائبَ في
ثبات ِ جأشٍ لهُ ثهلانُ قد خَضعا
وأنتَ أنتَ الّذي للهِ ما فعلا
وأنتَ أنتَ الّذي للهِ ما صنعا
حكمت في الكفر سيفاً لو هويت به
يوماً على كتف الأفلاك لانخلعا
عالجت بالبيض امراض القلوب ولو
كان العلاج بغير البيض ما نجعا
وبابُ خيبرَ لو كانتْ مسامره
كلَّ الثوابتِ حتىّ القطبَ لانقلعا
وكلُّ مَن راحَ للعلياءِ مُبتكراً
جاءَ الثناءُ على علياهُ مخترعا
سَمَّتكَ أمُّكَ بنتِ الليث ِ حيدرةً
أ َكرِم ْ بِلبوَةِ ليثٍ أنجبت سبُعا
باريتَ شمس الضحى في جنةٍ بزغت
في يوم بدرٍ بزوغ البدر اذ سطعا
ما فرّقَ الله شيئاً في خليقته ِ
من الفضائلِ إلاّ عندَكَ اجتمعا
عُذراً فقد ضِقتُ ذ رعاً عَن أحاطتهِ
وكلّما ضِقتُ عَن تحديدهِ اتّسعا
--------------------
* اما ابنته الحوراء زينب ، فلّله درُّها على غصات الصبر التي جرعتها في حياتها حتى لقبت (أم المصائب) ، لكنها لم تنل من رسوخ ايمانها وصلابة ارادتها..
وما اصدق قول الشاعر حسن البغدادي في صبر قلب السيدة زينب :
يا قلبَ زينب ما لقيتَ من محنٍ
فيكَ الرزايا و كلُّ الصّبرِ قد جمعا
لو كان ما فيكَ من صبرٍ و من محنٍ
في قلبِ اقوى جبالِ الارض لانصدعا
يكفيكَ صبرا قلوبُ النّاسِ كُلِهُمُ
تفطرت للذي لاقيتَه جزعا
فلقد شهدت السيدة زينب وفاة امّها الزهراء حزنا وكمدا وهي صغيرة سنة 11 هج، ثم شهادة ابيها الامام علي سنة 40 هج وقد مرت الايام الثلاث (19 - 21) رمضان التي كابد فيها الامام جرح سيف الغدر وهو في محراب صلاته ، مضنيةً في الحزن وكظم الغيظ والاحتساب عند الله ، والتي اعلن فيها وصيته لابنائه قبل رحيله الى بارئه وخصّ فيها السيدة زينب برفقة اخيها الحسين سندا وظهيرا يوم وحدته وغربته بين القوم الظالمين بلا ناصر ولا معين..
وبعدها شهادة اخيها الامام الحسن سنة 50 هج مسموما بغدر معاوية ليقطع وعد خلافته بعده.
وانتهت بمأساة المآسي في شهادة ابي عبد الله الحسين سنة 61 هج لتقف سفيرة لال محمد قوية الارادة مؤمنة محتسبة عند الله ولو كانت مهضومة الجناح قد شهدت مصارع اخوتها وابنائها وقومها من بني هاشم..
وتظل خطبتها البليغة في مجلسي يزيد بن معاوية وعامله على الكوفة (عبيد الله بن زياد) عنوانا تاريخيا خالدا للاباء والصبر والشجاعة والشجن..
ومن خطبتها المشهورة :
(ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك!! لكنّ العيون عَبْرى، والصدور حَرّى.. ألا فالعَجَب كلّ العجب.. لقتلِ حزبِ الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء! ، فهذه الأيدي تَنطِف من دمائنا، والأفواه تَتَحلّب مِن لحومنا، وتلك الجُثث الطَّواهر الزواكي تنتابها العَواسِل ، وتهفوها أُمّهاتُ الفَراعل . ولئن اتّخَذْتَنا مَغْنَماً، لَتجِدَنّا وشيكاً مَغْرٓماً، حين لا تجدُ إلاّ ما قدَّمْتَ وما ربُّكَ بظَلاّمٍ للعبيد ، فإلى الله المشتكى وعليه المعوَّل. فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها ، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين ! فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة والرحمة..)
----------------------
* وامّا حليف السجدة الطويلة الامام موسى بن جعفر الكاظم حفيد رسول الله وسليل الامام علي عليهم الصلاة والسلام ، فلا يختلف المؤرخون بشتى مذاهبهم بانه اعظم عباد الله في عصره صبرا وتقوى وزهدا حتى لقبوه ب (كاظم الغيظ) و(العبد الصالح) ، وقد قضى اغلب سني حياته في سجون طاغية عصره (هارون الرشيد) ، فكان سلام الله عليه اماما مغيبا في قعر السجون وظلم المطامير لايعرف ليله من نهاره وذي ساق مرضوض بحلق القيود ، لكن صبره لم يهن ولم يضعف ايمانه بل زاده الظلم ايمانا وزهدا واحتسابا..
ويشهد المؤرخون ان اشد مآسي أئمة اهل البيت بعد الامام الحسين هي ماوقع على الامام موسى الكاظم من حيف وجور ونفي حتى قضى نحبه شهيدا مسموما سنة 183 هج في طامورة السندي بن شاهك ، ذلك السجن الذي لا يصله ضوء الشمس ، ثم وضع جسده الشريف على جسر بغداد وقد طبعت القيود آثارها على يديه وساقيه ودُفن في مقابر قريش لتحمل المدينة اليوم اسمه ومرقده الذي ظل مزارا خالدا وبابا كريما لطلب الحوائج من الله الباري الصمد..
ومن جميل الشعر في وصف صبره وتقواه مانظمه الشاعر المهندس وحيد شلال في قصيدته (تعاليت..) ومنها هذا المقطع :
تعاليتَ لم تخضعْ لسيفٍ حاكمِ
وحاشاكَ ان تَمدُدْ يديكَ لظالمِ
تجاوزتَ بالصبرِ الجميلِ مكابداً
اساءةَ مأفونٍ وغلظةَ ناقمِ
يعدُّ لكَ الاعداءُ كلَّ عظيمةٍ
وعزمُكَ عزمٌ لا يلينُ كصارمِ
هي النفسُ تسمو فوقَ كلِّ دنيئةٍ
اذا كانتْ الاخلاقُ احدى الدعائمِ
امامُ الهدى نابذتَ بالفكرِ داحضاً
اراجيفَ جُهّالٍ وبدعةَ عالمِ
كتابُكُمُ القرآنُ خيرُ مُنَزَّلٍ
على خيرِ هادٍ في قديمٍ وقادمِ
صبورونَ حتى يُنجزَ اللهُ وعدَهُ
على كيدِ اعرابٍ وغدرِ اعاجمِ
كراماتُ حقٍ من فضائلِ جَدِّكُم
تغيضونَ فيها قلبَ كلِّ مُخاصِمِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق