لمحة عن اصول الفن التشكيلي العراقي
الملامح العامة :
اولا- المقدمة :
* شهد العراق في القرن العشرين منذ الثلاثينيات -بالتحديد- اعمال ابداعية متميزة لتشكيليين عراقيين توجت في الخمسينيات بأعمال كبيرة واسماء لامعة من رواد الفن تركت بصمة من نور في مسار الثقافة العراقية ومنهم -على سبيل المثال- :
جواد سليم، حافظ الدروبي، فائق حسن، عطا صبري، يحيى الواسطي، اسماعيل الشيخلي، قتيبة الشيخ نوري، ضياء العزاوي، محمود صبري، فاضل عباس، شاكر حسن آل سعيد، خالد الجادر، عيسى حسن، زيد محمد صالح، لورنا سليم...)
اعقب مرحلة الرواد جيل ثان من مبدعين كبار في عقدي الستينيات والسبعينيات استمر عطاؤهم حتى منتصف الثمانينيات ومنهم - على سبيل المثال- :
(علي طالب، رافع الناصري، اسماعيل فتاح، محمد عارف، نوري الراوي، كاظم حيدر، علاء بشير، عامر العبيدي، مديحة عمر ...)
* انطلقت فكرة الجماعات الفنية في العراق في الخمسينيات بواسطة رواد الفن ، وهي سابقة لم نجدها في بلد عربي او شرقي..
وهي جماعة الرواد بزعامة فائق حسن ، وجماعة بغداد للفن الحديث بزعامة جواد سليم ، وجماعة الانطباعيين الجدد بزعامة حافظ الدروبي وهي تعنى بالمدرسة التأثرية (الانطباعية) والمراحل التي تطورت منها كالانطباعية الجديدة ومابعد الانطباعية كما سنطلع عليها - لاحقا- في مدارس الفن التشكيلي..
وكانت هذه الجماعات الفنية نواة للتجديد في الفن التشكيلي وتعد اول محاولة عربية في تنويع الاساليب وتطوير الرؤى الفنية من الرسم بالاسلوب الطبيعي او الواقعي الى الاساليب الحديثة كالانطباعية الجديدة والتعبيرية والتكعيبية ، في مرحلة زمنية كانت (شخصية الفنان العالمي الاسباني ببكاسو رائد التكعيبية طاغية على الجميع) كما يقول الناقد الفنان شاكر حسن آل سعيد..
*****************
ثانيا- الاصول الشرقية للفن التشكيلي العراقي :
تكشف اعمال الفنانين العراقيين -بصورة عامة- عن صلتهم بالتراث الشرقي في حضارة وادي الرافدين من رسوم ونحوت يتجلى فيها غالبا -كما يشير الدكتور كاظم شمهود- (النظرات الثابتة والعيون الواسعة والحواجب المعكوفة) ، وفي الفن الاسلامي من حيث الالوان النقية والتسطيح والخط والزخرفة وفن العمارة ، مع المخطوطات الفنية التي وصلتنا باطارها الكلاسيكي والواقعي ، وقد شكل هذا التأثير ذاكرة جمعية للفنان العراقي تجسدت في اعماله الفنية في الرسم والنحت.
*********************
ثالثا- الاصول الغربية للفن التشكيلي العراقي :
كان الفنان العراقي على اطلاع ودراية بالفن الاوروبي من رسم ونحت في العصر الوسيط والحديث من خلال البعثات الدراسية وتطور تقنيات الطباعة والترجمة منذ ثلاثينيات القرن العشرين ، حيث نلحظ في الدراسات التاريخية للحركة التشكيلية في العراق -على سبيل المثال- ان الفنانين الرواد مثل جواد سليم واكرم شكري وحافظ الدروبي وفائق حسن قد حصلوا في ذلك الوقت على زمالات لدراسة الفن في باريس وروما ولندن في ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي حتى نشوب الحرب العالمية الثانية ، مما يؤكد سمو الفنان العراقي وتطلعه المبكر في زمن كان فيه التعليم والزمالات الدراسية محدودين..
* وفي ضوء ذلك اطلع الفنان العراقي على معطيات الفن القوطي الذي نشأ وتطور في فرنسا وانتقل الى ايطاليا منذ اواخر العصر الوسيط في منتصف القرن الثاني عشر الى اواخر القرن الرابع عشر الميلادي حيث انطلق بعده عصر النهضة الاوروبية..
حيث احاط الفنان العراقي عن قرب بخصائص الفن القوطي من حيث اللون والزخرفة وفن العمارة القوطية ووسائط هذا الفن من رسومات كلاسيكية ومخطوطات وأثار عمرانية وزجاج مزخرف مع اطلاعه على الدراسات التاريخية والفنية المعززة بالصور لمعطيات الفن القوطي في العصر الوسيط..
* كما احاط الفنانون العراقيون - من خلال بعثاتهم الدراسية وسفرهم وشغفهم بقراءة اسفار الفن واطلاعهم عن قرب على لوحات مشاهير الفن- على معطيات عصر النهضة الاوروبية في الرسم والنحت واستخدام الالوان ، الذي انطلق من اواخر القرن الرابع عشر الميلادي الى نهاية القرن السابع عشر..
واعقبه بعد ذلك عصر التنوير منذ القرن الثامن عشر الذي شهد بداية الثورة الصناعية في اوروبا والتي تعاظمت في القرن التاسع عشر كما شهد تطور العلوم والفكر الفلسفي والحركات السياسية ، وقد تنوعت وتطورت فيه الظواهر والوسائل الفنية وظهرت المدارس الحديثة في الفن التشكيلي - كما سنبينها لاحقا-
وهكذا.. فقد اتصل الفنان العراقي اولا عن قرب بمعطيات مدرسة الفن التشكيلي الايطالية في عصر النهضة الاوروبية وماقدمه رافائيل ودافنشي من اعمال ورؤى فنية في ضوء المدرسة الكلاسيكية ، بدءا بالاسلوب التقليدي لمعالجة الظل من خلال نفس اللون عند رافائيل الى ثورة دافنشي الفنية (بتلامس الالوان ببعضها البعض بتفاعل وانسجام والموسيقى ولكون الاشياء التي تواجه العين تلامس بالاصل بعضها البعض في تتابعها التدريجي)..
وحال الانسجام هذا اشبه بالايقاع في الشعر والموسيقى ، وهو الامر الذي تبناه فيما بعد الانطباعيون في ضوء تطور العلوم والفلسفة..
* امّا معطيات الفن التشكيلي الحديث في اوروبا منذ القرن الثامن عشر والتي تطورت في القرن التاسع عشر الى منتصف القرن العشرين كانت الاكثر تأثيرا على الفنان العراقي فقد شغلت رؤيته وصبغت اعماله ، كما ان رواد الفن قد عاصروا بعض الظواهر والمدارس الفنية التي نشطت وتكاملت في الربع الاول من القرن العشرين..
واطلع الفنان العراقي من خلال الدرس والبعثة والرؤية والقراءة المتواصلة على وتيرة هذا التطور المتسارع في اساليب الفن التشكيلي منذ القرن التاسع عشر في ايطاليا وفرنسا واسبانيا وانكلترا وهولندا والمانيا على حساب المدرسة الكلاسيكية في عصر النهضة فظهرت المدرسة الرومانسية والواقعية ثم اعقبتها المدارس الاحدث كالرمزية والانطباعية مع مراحلها في التجديد كالانطباعية المحدثة ، ومابعد الانطباعية التي مهدت لظهور مدارس آخرى كالتعبيرية والتكعيبية والتجريدية..
كما احاط الفنان العراقي بطرق استخدام الالوان النقية والرمزية اي (ترميز الاشياء من خلال اللون) والتعبيرية الغنائية ، وتقنيات العمل والخامات المستخدمة..
ومن المناسب ان نذكر هنا ماكتبه الشاعر ستار موزان في التعبيرية الغنائية عن لوحات الفنان ستار كاووش :
بان من (معايير الخلق اللوني اطلاق مجسات تعبيرية غنائية داخل اللوحة)
وفي ضوء ذلك يقول ( ان الفنان الذي له القدرة في استدراج اللون ومعنى اللون وتعبيرية اللون وغنائية الشكل الفني مع المضمون سوف يكون مدعاة لان ندرك حسية النص التعبيري للوحة)
ولاننسى ان الفنان العراقي الذي عاش في القرن العشرين حيث بلغ تطور العلوم والفلسفة حدا كبيرا ، قد ادرك -من خلال اطلاعه وانفتاحه- مدى تاثيرهما في الفن الحديث سيما بعد تطور علم البصريات في الفيزياء حيث نظريات الضوء واللون والطيف الشمسي ، ونظرية الادراكات الحسية في الفلسفة الحديثة ، ونظرية الضوء والظل الهندسية ، وعلم التشريح
********************
رابعا- في ضوء ماتقدم ، لابد ان نتعرف على المدارس الفنية الحديثة في الفن التشكيلي من حيث النشأة التأريخية والاسلوب الفني لان اثرها ظل شاخصا وحيويا في اعمال الفنانين العراقيين منذ عهد الرواد..
ولغرض ذلك يمكن الاطلاع على الروابط التالية الخاصة بالمدارس الفنية :
1- رابط المدارس الفنية/ التربية الفنية
https://sites.google.com/site/faniahgsqade/55553
2- رابط لعرض اللوحات الخاصة بكل مدرسة فنية مع مقدمة موجزة
https://www.dorar-aliraq.net/threads/163009-%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%8A%D8%A9-%28%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84%D9%8A%29-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81%D9%87%D8%A7-%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D9%83%D9%84-%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9-%D9%81%D9%86%D9%8A%D8%A9
3- المدارس الفنية /مجموعة الاعلام الجديد :
https://intesar000.wordpress.com/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84%D9%8A/%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84%D9%8A/
***********************
خامسا : لعلنا اخيرا..-وفي ضوء ماتقدم ذكره- نحدد سمات عامة او غالبة - الى حد ما- في الفن التشكيلي العراقي :
- الموائمة بين التراث والمعاصرة ، اي بين طبيعة الفن الشرقي في حضارة وادي الرافدين والفن الاسلامي مع الفن القوطي في العصر الوسيط من جهة وبين الفن الاوروبي الحديث منذ عصر النهضة ، لكنه كثرما يميل الى اساليب المدارس الفنية الحديثة منذ القرن التاسع عشر التي اشرنا اليها سابقا ، واهمها الرومانسية والانطباعية والرمزية والتعبيرية..
- التنوع في استخدام طرق الالوان والخط للايحاء بالكتلة والشكل..
- يميل الفنان العراقي الى الواقعية التعبيرية والانطباعية في رسم لوحات ذات مضامين خاصة بالتراث الشعبي العراقي والبغدادي ومناظر البيئة العراقية وطبيعة الحياة الريفية والحضرية ومشاكل الانسان العراقي حيث تكون التعبيرية في تلك المضامين كما (هادئة اكثر من كونها انفعالية تظهر فيها ضربات الفرشاة) كما يقول الدكتور كاظم شمهود..
- ارى ان الفنان بشخصيته كفرد عراقي بروح شاعرية ويعيش تحت ضغط الانظمة القمعية يميل في لوحاته الى استخدام اساليب المدارس الرمزية والتعبيرية والتكعيبية في احيان ، لكن يغلب عليه في مضامين لوحات آخرى اسلوب مركب يجمع الرؤية الانطباعية والرومانسية في حركة الفرشاة والقلم وتلامس الالوان ، وقلما نجد الاسلوب التعبيري الانفعالي الذي يظهر الوجه محطم او مشوه الملامح في اللوحة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق