ستيفن هوكينج وقضية الخلق والوجود بين العلم والفلسفة
في ضوء ما أُثير من لغط عن فكر واراء عالم الفيزياء (ستيفن هوكينج) في قضايا الوجود المادي والخلق..
اود ان اوضح -ادناه- بعض الجوانب التي قد تختلط على اغلبنا فتصير بعد ذلك اشكالية فكرية ونفسية لاتجعلنا نتفهم الفكر المقابل ولا مَن يتبناه بل نغفل عن العطاء العلمي الكبير والانساني لمن نختلف معه في الرؤية والمعتقد الفكري او الديني :
1- ان بحث قضايا الخلق والوجود المادي والاصل بين الحدوث والازل هي من شان الفلسفة وليس من اختصاص العلوم الطبيعية (الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة وعلوم الفلك...الخ) التي تعنى بدراسة الواقع المادي الخارجي كما هو (منظور او موجود) ، والتي قدمت في ذلك نظريات علمية كبرى وقوانين رياضية محكمة في الحركة والتوازن والجاذبية وتركيب المادة مع التطور العلمي التي احدثته النظرية النسبية ونظرية الكم والتركيب الذري للمادة والليزرات...الخ
لكن القضايا الفكرية في نظرية المعرفة هي من شان الفلاسفة لا علماء الطبيعة حتى لو افصح العلماء عن وجهة نظر في قضية اصل المادة ونشوء الكون والتطور المادي والاحيائي..
2- وبناء على ماسبق فانك تجد مثلا عالما في الفيزياء الفلكية مؤمنا وتجد آخرا في ذات الاختصاص ملحدا ، مما يعني ان ارائهم تعود بالاصل الى المنظومة الفكرية لهذا العالم اوذاك او لرؤيته الخاصة وليس الى العلم الطبيعي ذاته ، لان ميدان العلوم الطبيعية يبدا من نشأة المكان والزمان (الزمكان) بعد لحظة (الانفجار العظيم) الذي مازال يعد النظرية العلمية الاكثر رسوخا في نشوء الكون ، اما قبل ذلك فليس من شأن علوم الطبيعية ولا من ادوات بحثه..
3- ان بعض اراء علماء الطبيعة الكبار في قضايا الخلق والوجود هي اجتهادات لايلتفت اليها -غالبا- الفلاسفة وعلماء المنطق لانها تبدو عندهم ضبابية غير واضحة الاسس بل يعدّها البعض غير رصينة كاراء انصاف المثقفين ، لكون ادوات علماء الطبيعة في البحث الفلسفي لاتستند بالاصل الى منطق ومنهج فكري واضح بل تبدو رؤية شخصية لاتميز -غالبا- الفرق بين المنطق العقلي والمادي وبين الاستقراء والاستنباط ، ويكمن سرّ الاهتمام بها هو ان المتحدث احد كبار العلماء في العلوم الطبيعية الصرفة فحسب..
فرجل مثل اينشتاين ونيوتن وماكس بلانك وماكسويل وهوكينج مثلا هو حجة في العلوم الطبيعية لاشك ، ولكنه اراءه الفكرية او الفلسفية لاترقى الى عمق فكر فلاسفة كبار مثل هيجل وماركس وكانت وهوسرل ورسل..
ولانغفل ان الفلاسفة سيما في العصر الحديث يعتمدون كذلك حقائق العلوم الطبيعية وتطور مفاهيمه واكتشافاته ونظرياته الراسخة في منهجهم واستقرائهم وتفسيرهم للكون والوعي والتاريخ ، فالعلاقة بين العلم والفلسفة علاقة عريقة ومحكمة..
لكن لايمكن -على سبيل المثال- لعالم كبير في الفيزياء النظرية درس خواص المادة وتركيبها وتحولاتها ان ينجز نظرية مادية في المعرفة بمستوى العمق الفكري والمنهجي الذي اوجده كارل ماركس او الفلسفة الماركسية ، وهي حقيقة لايختلف فيها الباحث المدقق ولو كان معارضا..
4- ان من الانصاف والمرؤة وبعد النظر وعدم التعصب والانغلاق ان نقدر جهد العلماء والفلاسفة حتى الذين نختلف مهم في هذا الجانب او ذاك من رؤيتهم الشمولية او نظريتهم في المعرفة بل يجب النظر اليها كعطاء انساني غني وكبير نفيد منه في فهمنا للعالم والانسان وفي بناء المجتمع والتواصل الحضاري وفهم فلسفة التاريخ الطبيعي والانساني..
وان ندرك ان نظريات العلوم وفلسفة الفيزياء والفكر الانساني في ميادين العلوم الانسانية-الاجتماعية كلها نسبية متغيرة وان الاختلاف فيها هو الامر الطبيعي حتى ان مفاهيم الفيزياء الحديثة في الميكانيك والضوء والبصريات والتركيب الذري المادة غيرت كثيرا من مفاهيم الفيزياء الكلاسيكية التي كانت تعد من الحقائق في عهد العالم نيوتن..
5- وعود على بدء ، فان العالم ستيفن هوكينج الذي رحل عن الدنيا هذا العام يجب ان نحترم جهده وعطاءه العلمي الذي قدمه للانسانية وهو مقعد ومشلول!! وان اختلفنا معه في الرؤية الفكرية لمعتقده..
وان لا نتصور ان افكاره مطلقة ، وانه جاء بنظرية علمية قاصدا فيها الالحاد ، لأن مثل هذا الامر منوط كما اسلفنا بالفكر الفلسفي وصراعاته الذي لا يستند الى حقائق ونظريات العلوم الطبيعية وحدها بل يأخذ معها -بنظر الاعتبار- معطيات العلوم الانسانية ونظرياته ، والتغييرات الاجتماعية والدينية والاقتصادية الكبرى في مسار التأريخ ، وما قدمه الفكر البشري في النظرة الى الانسان والوجود والمجتمع..
مع العلم ان الرجل لم يصرح في انه يتبنى فكرا الحاديا صريحا في ضوء قراءتي لكتابه موجز تاريخ الزمن، ولعله اشار في كتب آخرى مثل التصميم العظيم او في مقابلة مصورة او مكتوبة على اليوتيوب وگوگل -كما تصفحت-الى مايحسب انه فكرا الحاديا..
وقد لحظت في مقابلة له على قناة CNN :
انه رؤيته غير حاسمة او واضحة بل وجدته يطرح تصورات مبنية على نظرية الشك واعتماد معطيات العلم في المستقبل في فهم الكون من حيث التطور والنشأة ، لا الوصف المسبق المقولب الذي تقف عنده الاديان كما يدعي..
هذا ماقصده العالم هوكينج في اللقاء الذي أُجرى معه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق