برنامج السينما والناس العراقي/ والفيلم المختار ‏(قتال ‏مسلح)

من ارشيف التلفزيون العراقي/برنامج (السينما والناس)
الحلقة الاولى :
هذه مدارات في الذاكرة تسلط الضوء على برنامج رائع نال اعجاب الجميع على المستويين الثقافي والشعبي ، وسيرة مقدمة البرنامج الدكتورة اعتقال الطائي، كما نستعرض فيلم أقتتال مسلح (Gunfight) الذي عرضه البرنامج وظلت فكرته الاساسية في الذاكره كعمل فني يصور بلغة السينما جانبا من مأساة الحياة وتدني القيم الانسانية في الغرب الامريكي.. 

# لايختلف احد ان برنامج السينما والناس الذي أعده للتلفزيون العراقي في السبعينيات علي زين العابدين وقدمته الاعلامية الناجحة د.اعتقال الطائي يعدّ الاروع في مجال الفن السابع من حيث الاعداد والتقديم واختيار فيلم الحلقة وأستضافة شخصية ثقافية لامعة من الوسط الفني والادبي او الأكاديمي حين كانت منابع الثقافة مترعة ومتنوعة.. 
كان عرض الفيلم المختار يتوج  بحوار رصين لايقل متعة عن المشاهدة ، اذ يكشف للمشاهد الجوانب الفنية والادبية في الاخراج والتصوير والتمثيل والقصة الاصل للفيلم والسيناريو المكتوب والحوار مع الاحاطة بالقضايا الفكرية والانسانية التي يحملها مضمون الفيلم وثيمته الاساسية ، وكانت الافلام المختارة غير معروضة في صالونات السينما العراقية ، حتى ان بعضها غير مترجم اذ يتولى فريق البرنامج ترجمتها للمشاهد.. 

# حصل البرنامج عام  1976 على جائزة  افضل برنامج تلفزيوني كما نالت السيدة اعتقال الطائي -وهي من مدينة الحلة تولد عام 1947- لقب افضل مقدمة برنامج ، ولكن  ضُيِّقَ عليها عام 1978 بسبب افكارها اليسارية ومُنِعت من تقديم البرنامج ، فهاجرت الى هنغاريا ، اتقنت اللغة المجرية وعملت في السينما والمسرح المجري ، ثم تزوجت هناك واكملت دراستها للدكتوراه في الفن السينمائي عام 1985 وكانت اطروحتها بعنوان (الفلم بين النظرية والتطبيق).. 
مكثت السيدة اعتقال الطائي في الغربة حتى زيارتها الاولى لبلدها العراق عام 2004..
كتبت هناك مقالات في السينما العربية والمجرية كما اعدّت للاذاعة المجرية كتابات عن  الادباء العرب المحدثين ومنهم الاديب الكبير نجيب محفوظ ويوسف ادريس وفؤاد التكرلي ، اما في مجال الترجمة فقد نقلت الى المجرية اعمالا في الادب القصصي العربي والفلسطيني ونشرت في كتاب , كما ترجمت الى العربية نماذج من الادب المجري في الشعر والقصة القصيرة.. ، وشاركت في كتابة سيناريو وحوار الفيلم الكرتوني (حي بن يقظان) للفيلسوف العربي ابن طفيل ..
وترجمت الى العربية اخيرا كتاب (يوميات في العراق) وهي مذكرات وثائقية لمراسل صحفي مجري زار العراق بعد سقوط النظام..
وهكذا..كانت  السيدة اعتقال الطائي حلقة وصل بين الادبين العربي والمجري..
ومن  اعمالها الادبية المنشورة مجموعة قصصية (عندما نحب)  ورواية (الارملة)  وسيرة ذاتية بدأت من طفولتها في الحلة بعنوان (ذاكرة الاشياء) وترجمت الى الايطالية بعنوان (الباقلاء البابلية)..
          
          ###################

(من ارشيف التلفزيون العراقي/ برنامج السينما والناس) 
الحلقة الثانية : فيلم قتال مسلح Gunfight

# اولا : مضمون العمل السينمائي: 
 كان الفيلم المنتج عام 1971 حديث الانتاج حينذاك ولم يعرض في صالات السينما وقام بترجمته فريق البرنامج الذي اختار للمرة الاولى فيلما على غرار افلام الكاوبوي لكنه يحمل رسالة انسانية وهو ماجعله راسخاً في الذاكرة..
 اذ يكشف مضمون الفيلم عن تردي الواقع الاجتماعي والنفسي لسلوك الفرد والجماعة في مجتمع الغرب الامريكي لاسيما ابان الحرب الأهلية ، وينير عن الوجه الآخر للحرية الامريكية في ظل تدني القيم الاعتبارية لحياة الانسان امام الثروة وسطوة المال حيث البقاء في المجتمع للأقوى كما في شريعة الغاب ، فالثروة هي رأس الهرم في حياة الفرد ومصالحه وعلاقاته العامة في المجتمع الرأسمالي وبدونها لايؤخذ بأي اعتبار آخر ، ولايهم ان تكون الوسيلة لتلك الثروة بشعة ومحرمة في سنن الاديان ، المهم ان تكون مشروعة في قانون هذه المقاطعة والولاية او تلك ، ولامانع ان تكون هناك مناورة قانونية في الامر يكيفها الخبراء ويذللّها المتنفذون في السلطة..  
           ****************************

# ثانيا : المعلومات الفنية عن العمل :
    كاتب قصة الفيلم :هارولد جاك بروم
   المخرج السينمائي : لامونت جونسون
انتاج الفيلم عام 1971 ، وموّل بواسطة الامريكيين الاصليين للنيل من سلوك وثقافة المهاجر الغربي وتم تصويره في مدينة نيومكسيكو.. 
نجوم الفيلم : 
- كيرك دوغلاس : بدور (ول تينري) 
- جوني كاش : بدور (ابي كروس) 
- جين ألكسندر :  بدور (نورا زوجة ول تينري) 
-كارين بلاك : بدور (جيني صديقة أبي كروس) 
- الصبي اريك دوغلاس : بدور (بود) ابن ول تينري
الملفت في امر النجوم - هنا- ان جوني كاش لم يؤدي دورا سينمائيا في افلام الكاوبوي من قبل ، فهو مغني امريكي مشهور عذب الصوت وكاتب اغاني وان موسيقاه تحظى بالاعجاب في كل الولايات الامريكية ، لكنه ادى الدور ببراعة تتلائم مع كاريزما شخصيته التي تتسم بالهدوء..،اما الصبي بود فهو الابن الحقيقي للممثل الكبير كيرك دوغلاس.. 
         ********************************

# ثالثا حبكة الفيلم :
1- المقدمة /موضوع الحدث الرئيسي :
يستوجب الامر ان نعرض بأيجاز تنامي وتوتر الأحداث وحركة الشخصيات فيه الى مقطع الذروة.. لأن الفيلم غير مترجم حاليا على اليوتيوب ، وقد اخترت بالتقطيع اهم مقاطع الفيلم واشرت الى ترجمة الحوار.. 
والموضوع الرئيسي للقصة هي المراهنة المربحة لقتال مميت بالمسدس يجري بين شخصين في ميدان مصارعة الثيران بحضور جمهور عريض أشتروا تذاكر النزال التي ستؤول فائدته الى من يربح المعركة ..
المقاتلان هما ول تينري وابي كروس وقد تقدما في السن وعرفا في -سن الشباب- بمهارتهما في استخدام السلاح ، على الرغم من ان المتباريين أمسوا أصدقاء وان ودّا يجمعهما في خريف العمر ولايريدان قتالا كخصمين لدودين في مباراة او قضية ما. 
وهذا ماعرفناه من الحوار الجاري بين الناس - الذين لايشغلهم  في البلدة الصغيرة شيئا سوى المراهنات والقمار والمشروبات وكأن لسان حالهم يتسائل :
 من سيربح لو تقاتلا  وهما -اليوم- قد تقدما في السن ؟؟ 
بعد ان غطت شهرتهما الآفاق في دقة وسرعة التصويب بالمسدس !
لاشك ان مثل هذا الامر يغريهم ، وهم المتيمون بالمراهنات ويستحق -في ظنهم- شراء تذاكر الاقتتال المميت اكثر مما عليه الحال في مصارعة الثيران ، كأن حياة الانسان أمست بضاعة رخيصة يراهن عليها ومصدرا للمتعة والمكسب المادي..
-------------------------------

2- تسلسل الاحداث الرئيسية :
أ* يبدا الفيلم من عودة أبي كروس الى البلدة فاشلا من رحلته للتنقيب عن الذهب ومفلسا بحاجة الى عمل ما ليغطي بها نفقاته الاساسية وتنقلاته بعد ان خسر حتى حصانه في لدغة افعى وهو عائد الى المدينة.. 
وفي البلدة يدير ول تينري بعد ان تقدم به السن صالونا للمشروبات والقمار يقتات عليه ويستعرض امام الحمقى في الحانة بعضا من مهارته في اشهار المسدس وسرعة انتشاله.
وهو يعيش بسلام مع زوجته (نورا) وأبنه (بود)..
يدخل كروس صالون مشروبات تينري يسأل عنه لعله يساعده في ايجاد فرصة عمل له ، بعد ان عرف اهالي البلدة ان الشخص الغريب الذي دخل البلدة هو ابي كروس المقاتل المشهور.. وحالما التقيا في الصالون ورحب به تينري راح الحمقى يتراهنون بينهم على نتيجة قتال قد تجري بين المقاتلين المسنين بعد ان كان لهما باع طويل في القتال في ايام شبابهما ولم يخسرا في اقتتال مسلح من قبل.. 
مع ان الحوار الذي جرى بينهماكان وديّا ، وأعاد كروس شريط الذاكرة لاشخاص واماكن جمعته مع تينري ، وبدا كلٌّ منهما مسروراً باللقاء الذي ترك انطباعا جميلا في وجدان كل منهما.
وكادت صداقة طيبة تنشأ بينهما لولا ان تينري قد طمع بمبلغ المراهنة الكبير حسب عديد التذاكر ( Ticket) التي سيشتريها كل اهل البلدة تقريبا ، الأمر الذي سيجعله قادرا على تغيير مجرى حياته لو فاز في القتال المسلح اذ سيترك البلدة والصالون ويذهب بزوجته (نورا)  وأبنه (بود)  الى مراكز المدن الكبرى حيث يعيش براحة وسلام ويضمن تقدم ولده بالتعليم.. 

ب* ركب تينري حصانه وتوجه لمفاتحة كروس بالأمر لاسيما ان الأخير يعاني من تردي الحال بعد فشل رحلته في التنقيب عن الذهب معللا عرضه له بان {الخاسر منهم لن يضجر لخسارته ولن يحتاج المال لانه سيغادر الدنيا.. } ، وكأنه يفلسف مشروع النزال.. 
ذهل كروس ورفض بشدة ووصف تينري بالحماقة والجنون ودفعه عن طريقه وكادا ان يقتتلا ..
عاد كروس للبلدة وسأل مدير اعمال فيها ان يجد له اي فرصة عمل ، فلم يجبه بل وجد كروس الابواب موصدة بوجهه الا باب صديقته (جيني) التي أحبته بصدق وأرادت ان يستقر معها بعد رحلة الشقاء ، لكن اهل البلدة حزمت أمرها على المراهنة وأشعرته ان لا فرصة لديه للعمل وكسب المال ألا بقبول النزال المسلح مع تينري..
وافق كروس مرغما على النزال ونادى تينري بحزم انه مستعد لمواجهته في الميدان، وذهبا بعدها الى مدير الاعمال الذي يدير ميدان مصارعة الثيران والرهانات و يأخذ فائدة 10% من الارباح..

ج- عادت العلاقة -بعد ذلك- حسنة بينهما حتى ان المشاهد ليشعر انهما صديقان ودودان !!  وان كلا منهما لايود ان يقتل صاحبه !! ، لكنها سمة النزال والمراهنة وسطوة المال الذي يعني الحياة بيافطة عريضة ، فلا مثل عليا ولا قيم جميلة تصمد امام قوة المال في المجتمع الرأسمالي فهو غاية عظمى وكلّ الوسائل لأجلها متاحة..
 وحصل الاقتتال اخيرا في ميدان مصارعة الثيران الذي انتهى بمصرع ول تينري ونجاة ابي كروس الذي كان الأسرع في التصويب.. 
وقف بعدها أبي كروس الذي قبل النزال مكرها ينظر للجمهور على المدرجات ، يدور برأسه يمينا ويسارا..  يراهم يغادرون أماكنهم واماراة الحزن والاسف بائنة على وجوههم وكأني بلسان حاله يخاطبهم.. هذه نهاية المطاف لمرهاناتكم وشغفكم ، ما جدواها لكم وقد رحل احد رجال مدينتكم وعاش الغريب؟
-------------------------
3- الاحداث الثانوية المتزامنة مع الحدث الرئيسي :
اضاف كاتب القصة ومخرج الفيلم خمسة احداث ثانوية - قبل مقطع الذروة حيث انتهت المواجهة بفوز كروس-  أراد منها تأصيل مضمون العمل السينمائي والعنصر الدرامي فيه وبما يتسق مع حبكته وهي :
أ- الحدث الاول : حضور المتباريان تينري وكروس الى ميدان مصارعة الثيران ليشاهدا مع الجمهور المتحمس جانبا من صراع قاس مميت وما يحمله من مفاجئات ، وهو مشهد يكشف قسوة الضمير و بَلادة الحس لمن يجد في رهان القتل متعة لاسيما في غُلُوّها المجنون لتطال الصراع القاتل بين البشر انفسهم في ذات الميدان..

ب- الحدث الثاني : حضور رجل اعمال هو مدير تحرير لجريدة ما في مدينة مجاورة للبلدة بصحبة مصور ليحصل على صور المتباريين في القتال وهما يبتسمان للكاميرا ويشهران السلاح لينشر الموضوع الاثير في الجريدة ويحصل على سبق صحفي.. 
لكن تينري وكروس رفضا التقاط صور لحساب تلك الجريدة قبل ان يدفع مديرها مبلغا لهما ! 
لعل هذا المشهد يؤكد لنا ان المكسب المادي هي رسالة الحياة التي لا تتغير بأختلاف المكان او مستوى المعرفة ، فلا فرق بين البلدة الصغيرة والمدينة الكبيرة ، ولا فرق بين صحفي وأحمق مغامر..

ج- الحدث الثالث : قيام احد الشباب الحمقى - بعد مشهد التقاط الصور وتجمع الناس- ان يطلب منازلة احد المتباريين تينري او كروس قائلا انه يسعى لطلب المال مثلهم.. 
فهو { اذا قتل احدهما فسيكون المتباري للطرف الآخر ويمكن ان ينال بذلك مبلغ التذاكر للحفل المميت }
حاول شريف البلدة !! منعه من افساد أمر المراهنة الكبرى لكنه فشل اذ نالت منه رصاصة في كتفه اطلقها هذا الشاب وهو يقول لتينري انه لم يرد قتل المأمور بل اراد منعه من اقتياده فاطلق النار على كتفه..
وحصل ان تينري نازله للقتال وصرعه برصاصة في صدره..
يحمل هذا المشهد معنى كبير في تداعي القيم ورخص حياة الانسان امام اشباع رغبته وحاجة المادية ، وانها ستكون سمة السلوك التي يتوارثها الشباب في حياتهم وعلاقاتهم..

د- الحدث الرابع : تقوم نورا زوجة تينري في الليلة الاخيرة قبل النزال بملاحقة كروس واطلاق النار عليه لمنعه من مبارزة زوجها لكنها لم تصبه في مقتل ، وحصل في اليوم التالي ان يتجمهر الناس في ميدان مصارعة الثيران ليروا بشغف مايؤول اليه الاقتتال المنتظر الذي ينتهي بمصرع تينري ، ثم يتركرون بعده المدرجات وهم في أسفٍ وغمٍّ وحزن !! وتناسوا انهم اشتروا تذاكر المحفل المميت وجاءت بهم المتعة واغراهم الفضول.. 

ه- الحدث الخامس : في الختام قدم المخرج مشهدا دراميا رائعا يختصر الحقيقة المرة ويفلسف مضمون الفيلم عبر تصويره مشهدا يعكس انحطاط الطموح الفردي المبني على الغلبة والانانية..
  فحين همّ كروس الخروح من البلدة ممتطيا حصانه غنياً بما كسب وقفت - في الجهة المقابلة- ارملة تينري  بلباسها الاسود حدادا على زوجها تنظر اليه نظرة أبرقت عن وجدها وهي تشي بالحزن الشديد واللوم والعتب ، وكانت نظرته اليها تفصح بشيء من تعاطف صامت ، لكن في لحظة ما اعاد لذاكرته شريطا مقلوبا لما جرى في الميدان ذلك ان يكون تينري هو الفائز الحي ، ويحصل بعد ان تأخذه الدهشة قليلا لقتل صديقه ، ان يعود جذلا الى بيته يقص احلامه لزوجته هذه في الانتقال من البلدة الى احد المدن الكبرى لينعم وعائلته في حياة طيبة هانئة ، ثم يخرج مسرورا للبحث عن مستقر مناسب لهم مودعا زوجته وولده..
اراد القول ان لا تثريب علي ولا لوم في قتل زوجك ، وكأنه يخاطبها بلسان حاله وبلغة عينيه :
 (سينقلب حزنك هذا الى بهجة خفية وآمال بحياة رغيدة لو ان زوجك كان قاتلا لي)
فالنتيجة واحدة ، انها عبث الحياة في مجتمع الغاب الامريكي ولو بدت للعيان غابة خضراء ندية جميلة المظهر..
            ***********************

عن الكاتب "فلان"

وصف موجز عن الكاتب هنا، كما يمكنكم متابعتي عبر المواقع الإجتماعية أدناه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Translate

إبدء الكتابة للبحث ثم أنقر enter